facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




اختراع الدولة المدنية


سامح المحاريق
16-05-2023 06:50 PM

كان العنوان الذي قدمه الراحل محمد طمليه "يحدث لي دون سائر الناس" لكتابه المشترك مع رسام الكاريكاتير عماد حجاج على جانب كبير من البلاغة، غلاف الكتاب يمثل رجلاً يمشي مطرقاً في الشارع بينما تسقط على رأسه اسطوانة غاز، ويمكن أن نمضي بالخيط على امتداده لتصبح نفس المقولة منطبقة على الأردن ككل، يحدث لنا دون سائر الناس!

هذه الفكرة راودتني وأنا أقرأ ما كتبه الفقيه القانوني، طلال الشرفات، حول حزب الدولة المدنية، والرد الذي قدمه المهندس عامر البشير على الموضوع ذاته، والمفارقة في الأمر، أنه لا يوجد في مصطلحات العلوم السياسية شيء يدعى الدولة المدنية من الأساس، بمعنى أن النقاش عملياً يدور حول موضوع لا يمتلك القوام اللازم ليكون موضوعاً.

لا يوجد مصطلح يدعى الدولة المدنية، ولن أطلب من أي شخص أن يذهب للمراجع المعتبرة، ولكن ربما من الضروري تجربة البحث عن المصطلح على شبكة الانترنت، لتأتي المفاجأة أن مادة "دولة مدنية" هي مادة يتمية اللغة في الموسوعة المفتوحة "الويكيبيديا"، وهي غير موجودة في اللغات الأخرى.

الأمر ببساطة أن الدولة المدنية هي الاسم المخفف للدولة العلمانية، وهو موضوع خلافي يمكن الحديث عنه في كتب ومطولات، وكان الدكتور عبد الوهاب المسيري قدم كتاباً من جزئين بعنوان "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" ومجرد استعراض الأفكار التي وردت فيه سيستغرق صفحات مطولة، ثم أن الأمر أصلاً غير مستقر بالمعنى القانوني إلا في دول معينة يمكن أن تعتبر علمانية بالكامل، أو لائكية، مثل فرنسا، وحتى هذه المسألة أعيدت للطرح والجدل من جديد في أوساط قانونية رفيعة على المستوى الفرنسي مع موجات صعود اليمين الراهنة.

لماذا يمكن أن نعرف الدولة العلمانية بينما لا يمكن أن نعرف الدولة المدنية؟

لأن الدولة العلمانية نقيضها هو الدولة الدينية، أما الدولة المدنية، فنقيضها الذي يمكن أن يعتبر في هذه الحالة هو اللا دولة من الأساس، بمعنى أن كل دولة هي مدنية بطبيعة الحال.

الدول الدينية في العالم، معظمها دول عربية، ومع ذلك، تعتبر بريطانيا والدنمرك واليونان دولاً دينية، بمعنى أن الدولة تعرف دينها أو تجعله مرجعاً تشريعياً كما هو الحال في الأردن، هل يبدو الأمر معقداً؟

يأخذ الشرفات على الحزب ونواياه الحديث عن الحريات، وما استشعره من حديث عن المثلية، وبالمناسبة، الموضوع معقد أيضاً، فدولة علمانية مثل أثيوبيا تجرم المثلية الجنسية، لأن كلاً من مسيحيي ومسلمي أثيوبيا متدينون، والأمر نفسه في كينيا، أما في الأردن فالموضوع غير مجرم في الأردن إلا في حالة تغوله على الأخلاق العامة، والحقيقة، لا أعرف سبباً لربط الدولة المدنية بمسألة المطالبة بالحريات من هذه الفئة تحديداً.

برأيي أن الموقف الأردني من المثلية معقول جداً، بمعنى اعتبارها أمراً شخصياً، مع حظر ترويجها أو الدعاية لها، ولذلك، فالحديث عن الموضوع في الأردن يتعلق بمجرد التزيد الذي لا طائل منه، فهل يوجد في الأردن قانون مماثل للمغرب يقتضي الحبس ثلاث سنوات للمثليين، أو عقوبة الإعدام مثل ايران؟

المسألة لا تندرج أساساً في اهتمامات الأردنيين، ولم تكن مشكلة ثقافية أو ذات خلفيات تاريخية في الأردن على الشاكلة التي تتمثل في بعض ثقاقات آسيا الوسطى.

خلط هذه القضية بالمساواة القانونية بين الذكور والإناث مسألة على قدر كبير من الخطورة، وتحدث تشوهاً غير ضروري، وتمثل اضطراباً في الأولويات، ولكن قضية تجنيس أبناء الأردنيات يجب أن تحظى باهتمام أوسع وجدية في التعامل، وربما مصارحة كبيرة، فإذا كانت المشكلة ألا توظف هذه الحقوق في تجنيس الفلسطينيين في مرحلة حساسة وحرجة وأوضاع نهائية (تتواصل لأكثر من ثلاثين عاماً) فما الذي يمنع من تجنيس أبناء الأردنيات من جنسيات أخرى؟ بمعنى تثبيت القاعدة من خلال الاعتراف بالاستثناء المرتبط بظروف محددة ومبررات موضوعية.

الحريات في المجتمع بشكل عام، هي نتيجة وليست مقدمة، بمعنى أنها تعبر عن التركيب الاجتماعي والاقتصادي والطبقي، وأزمة الإيمان في العصر الفيكتوري في بريطانيا كانت تحمل تطورات الثورة الصناعية كلها ونتائجها، وتغير علاقات الملكية والإنتاج في المجتمع، بمعنى أنها أتت مغايرة للديكتاتورية العلمانية الانتقامية في فرنسا.

في المحصلة، البدء من النتيجة وليس المقدمة لا يضمن شيئاً، فالهند بلد ديمقراطي يوظف الديمقراطية في التخلف، والصين بلد غير ديمقراطي يتقدم بسرعة، وإذا كان السؤال اقتصادياً في الأساس، فعلى جميع الأحزاب أن تبدأ من هذه النقطة، وألا تدخل في تفاصيل كثيرة خارج الأطر الدستورية، وخارج النقاش القانوني المنضبط، فالحزب هو جزء من المجتمع المدني، وليس المجتمع المدني بأسره، بمعنى أن المطلوب منه هو مشروع من أجل تحقيق أهداف إدارة الدولة، أما تقدم الدولة فهو محصلة سياقات أوسع من الحزب.

ترتيب الأولويات هو نقطة البداية من أجل الإصلاح، ومع ذلك، فوجود حزب يدعي مبادئ معينة، يفترض ألا يضايق أحد، فهو جزء من المعروض سياسياً، ولكن الحديث عن دولة مدنية مسألة لا يمكن لحزب أن يدعي وصايته عليها أو مسؤوليته عنها، لأنها ببساطة غير موجودة بالمعنى المستقر، ولا يمكن أن تفرض المخيلة ايقاعها على الواقع، فهذه ليست السياسة على أية حال.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :