عمون - بنان ملكاوي - لقيت أحداث الشيدية ومعان خلال الأيام الماضية اهتماماً واسعاً من قبل وسائل الإعلام العالمية التي ركزت معظمها على ان هذه الاحداث ومثيلاتها هنا ما هي الا أعراض لظاهرة عنف مجتمعية تأتي في نطاق ضغوط اقتصادية وسياسية يعيشها الشعب الأردني ونظرائه في المنطقة.

وتأتي التغطية الواسعة لأحداث العنف في الأردن ضمن ما يشير اليها مراسلوا وسائل الإعلام العالمية في تقاريرهم على أنها "ظاهرة تنذر بالتفاقم."

** "لوس أنجيليس تايمز": الاضطرابات المحلية علامة على مشاكل أوسع نطاقاً

ففي صحيفة "لوس أنجيليس تايمز" الأميركية أشارت الصحافية رانيا القادري الى أن الاشتباكات التي بدأت يوم الإثنين الماضي في محافظة معان بعيد مقتل مواطنَين سرعان ما تفاقمت الى اضطرابات بين عشائر متنافسة وأحداث شغب واسعة ومنوهة الى أن مدينة معان لطالما كانت بؤرة ساخنة لنزاعات عشائرية.

ويشير التقرير الى أن الاضطرابات المحلية قد تكون علامة على مشاكل أوسع نطاقاً في الأردن: "وكما أن السلطة انتقلت من العشائر الى "الأردنيين الاثرياء المتأثرين بالغرب وأهل المدن من أصول فلسطينية" يشعر بعض المحللين بالقلق من أن عدم الاستقرار هي علامة على اتساع دائرة الاستياء من مؤسسة البلد."

وهو ما يشير اليه الكاتب والمحلل السياسي الزميل نبيل غيشان في تقرير التايمز على أن "هذه الاضطرابات هي نتيجة فقدان الشعب ثقتهم بالدولة."

ويضيف تقرير "التايمز" الى أن المراقبون للوضع الأردني خلال العام ونصف الماضيين قد أشاروا الى تدهور الوضع الأمني في المناطق الجنوبية والشمالية للمملكة وهي المناطق الريفية الفقيرة والبعيدة عن الأحياء الراقية للعاصمة عمان.

"منتقدي الحكومة يقولون انه قد تم تهميش وجهاء العشائر من جهة بينما يُنظر للدولة على أنها غير معنية بالمحنة الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الريفية في ظل ارتفاع الأسعار وانعدام المساواة الاجتماعية."

وأضافت الصحيفة - التي أشارت في تقريرها الى تغطية وكالة عمون الإخبارية للأحداث - الى أن مسؤولين في الحكومة اتهموا بعض المواطنين باستغلال الحادثة لأجنداتهم الشخصية وبينما اتهم بعض النواب الأجهزة الأمنية ببطء التدخل في الحادثة.

وبينما سلطت الصحيفة الضوء على أن البعض قلق من أن يقوم الإسلاميون باستغلال الحادثة وخصوصاً اخذ الإخوان المسلمون في المنطقة الجنوبية في رفع راية الاصلاح السياسي والاجتماعي واستغلال الاستياء العام لدى الطبقات الشعبية لاقامة روابط وعلاقات مع الجماعات العشائرية وحتى مع المتقاعدين العسكريين الذين كانوا تقليدياً معارضين للاتجاه الإسلامي - بحسب التقرير.

وأشارت الصحيفة أيضاً الى أن بيان المتقاعدين العسكريين العام الماضي كان قد حذر من ان الافتقار الى الاصلاح السياسي وانعدام الشخصيات الوطنية ذات المصداقية في الحكومة سيكون لها عواقب؛ مشيرين الى أن ارتفاع الاسعار والفساد وسوء الإدارة قد يسببوا اضطرابات وعدم استقرار على الصعيد المحلي. وهو ما قاله اللواء المتقاعد علي الحباشنة بأن "الأردنيون يشعرون بالاحباط اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.. ويجري التعبير عن هذه من خلال أعمال العنف التي لا يمكن السيطرة عليها في نهاية المطاف."


** "فورين بوليسي": عواقب الاضمحلال العربي

أما المحلل السياسي "مارك لينش" فربط في مقاله الذي نشرته مجلة Foreign Policy يوم أمس أحداث معان بظاهرة العنف والاضطرابات التي تجوب المنطقة ومنها المظاهرات في تونس والهجوم الانتحاري على كنيسة قبطية في الاسكندرية وتداعيات هجوم القوات الامنية الكويتية على مجموعة من البرلمانيين والاكاديميين الشهر الماضي. ويرى الكاتب أن ما يربط هذه الاحداث المختلفة والمنفصلة هي انها كلها "تسلط الضوء على الاضمحلال المتسارع للقواعد المؤسسية والتمزق في النسيج الاجتماعي عبر العديد من الدول المحسوبة على صف "الاعتدال" والانظمة العربية الموالية للغرب.

وأضاف أن "ما يربط هذه الحلقات الأربعة الجارية - على الرغم من الاختلافات الواضحة - هو مزيج من التخندق الاستبدادي للسلطة ووعود اقتصادية غير متحققة وازدياد الطائفية على المستوى الشعبي والاحباط العميق لدي جيل ناشئ بارع في أمور التكنولوجيا."

وقال ان هذه الحوادث تمثل طليعة ارتفاع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يبدو في ظاهر الأمر أن المؤسسات المتدهورة هناك غير قادرة على التعامل معها.

ويربط "لينش" بين "الاضمحلال المؤسسي" والسياسات العامة والاستبدادية في تلك الدول "كما أثبتت النخبة الراسخة مهارة في التلاعب في الانتخابات للحفاظ على سيطرتهم على السلطة".. فيرى الكاتب في الانتخابات البرلمانية الأردنية وكذلك المصرية "خيبة أمل."

ويرى أن الاحداث في البلدان الأربعة ومنها أحداث معان رغم اختلافاتها تبدو بأنها تبلور شعور متنامي بأن هذه الأنظمة الحاكمة قد فشلت في معالجة موجة المشاكل هذه. فلسنوات عديدة حذر المحللون والناشطون السياسيون العرب والغربيون من الحاجة الماسة للاصلاح. ويضيف: "لقد تعلمت معظم الحكومات العربية مهارة التكلم عن مثل هذا الاصلاح؛ في حين أنها تُجّرد بلا رحمة كل أشكال الديمقراطية التي تمّكن من تتحدى قبضتها على السلطة.. الاصلاحات الاقتصادية وان كانت مثيرة للاعجاب على الورق أدت الى ازدياد عدم المساواة وقوضت الحماية الاجتماعية ومكنت الفساد وفشلت في خلق الوظائف."

وحيث أن الانظمة لن تتغير أو تغير من نهجها.. فيحذر "لينش" من أن "الطاقة واليأس لدى الشباب المحروم من المرجح أن يتفاقما ومن المحتمل أن يتجليا ليس في السياسة المنظمة والانتخابات وانما في هذا النوع من فورة الاحتجاج الجماعي الذي نراه في تونس وبشكل مخيف أكثر في أشكال اندلاع العنف الاجتماعي الذي نراه في الأردن."


** "وورلد تريبيون": أحداث معان ضمن سلسلة أحداث شغب

World Tribune الصحيفة الأميركية المتخصصة بالأخبار العالمية عنونت خبرها يوم الخميس "مقتل بدويين يثير أعمال شغب معادية للحكومة في الأردن"

"الألاف من المواطنين تعاركوا مع الأجهزة الأمنية في مدينة معان جنوب الأردن في الحادثة الثالثة لاضطرابات كبرى في غضون أشهر قليلة. وقام المتظاهرون بحرق مبان حكومية وسيارات شرطة بعيد مقتل رجلين من البدو مطلع هذا الشهر."

وأضافت: "قال مسؤولون أن هناك من يستغل التوترات فيما بين العشائر لاشعال اضطرابات في معان - المدينة ذات الستون ألف مواطن والمهيمن عليها من قبل الاخوان المسلمين." - بحسب الصحيفة.

وفي تحليل قريب، أشارت الـ "اسوشيتيد برس" الى أن معان هي منطقة عشائرية محافظة "معروفة بتحديها للسلطة المركزية وساحة مشهد لاضطرابات مدنية عنيفة في السنوات الأخيرة فضلاً عن أن متطرفين إسلاميين ينشطون هناك." وهي ما أشارت اليه وكالة الـ "بي بي سي" البريطانية أيضاً.

وأشارت الزميلة الصحافية سهى معايعة في تقريرها في صحيفة "ذا ناشونال" الاماراتية أيضاً الى أن مدينة معان تعتبر بؤرة اضطرابات مدنية حيث "ينشط المتطرفون الاسلاميون بين سكانها - الكثير منهم ممن يحملون الاسلحة ويرفضون الضغوطات لنزعها."

وأضافت المعايعة: "العنف العشائري بتصاعد ليس فقط في معان بل في انحاء اخرى من المملكة، حيث تكّون العشائر (السكان الأصليون للبلد) العمود الفقري المؤيد للنظام الهاشمي."

وربطت مقالة "ذا ناشونال" تزايد العنف بالأداء الاقتصادي المتدن الذي تعاني منه المملكة. "الانحدار الاقتصادي يجعل من الصعب على الدولة تأمين متطلبات الأردنيين من وظائف في القطاع العام وخصوصاً مع تقلص الدعم الأجنبي وعوائد الضرائب."

وأشار التقرير World Tribune الى حادثتي السلط في تشرين الثاني الماضي (مقتل بدوي - بحسب الصحيفة) والقويسمة في كانون الأول الماضي في أعمال عنف بعيد مباراة كرة قدم بين فريقي الوحدات والفيصلي.

وأضاف باستخدام فضفاض لمفهوم "البدو" الظاهر من عنوانها بأن شهود عيان يروون أن عصابات بدوية تهتف بهتافات معادية للحكومة قامت بتخريب مكاتب حكومية ومحال تجارية وسيارات.. مشيرة الى أن معظم المحال التجارية التي هوجمت مملوكة لعائلة الحويطات.


** "ميديا لاين": منع الشماغ في الجامعات لدرء العنف؟

ومن ناحيته، كتب "دايفد ميللر" في "Media Line" عن لجوء جامعة اليرموك لفصل طلاب لارتدائهم الشماغ كردة فعل لظاهرة العنف المتصاعدة فيما بين أبناء العشائر والطلاب بمختلف انتماءاتهم وهوياتهم داخل الحرم الجامعي.

ويشير الكاتب الى الاحداث الاخيرة التي وقعت في الجامعة الأردنية عقب انتخابات مجلس الطلبة والتي خلفت العديد من المصابين وأودت بالكثير من غيرهم للتحقيق بالإضافة الى الاشتباكات التي وقعت في جامعة الحسين بن طلال في معان الشهر الماضي. كما أشارت "أي بي" أيضاً الى العنف الذي شاب جامعات الأردنية واليرموك والحسين بن طلال وأربد الأهلية في الأشهر الماضية في ظل تغطيتها لأحداث معان الأخيرة.

ويقول "ميللر" انه وحيث يرى مختصون ان منع ارتداء الشماغ لن يحل المشكلة - وهي مشكلة تجد جذورها أعمق بكثير من تنافسات بين الطلاب - ومنها أن العشائرية في البلد تسعى للحفاظ على سلطتها التقليدية في وجه محاولات بسط سلطة القانون.

بينما أشار "ميللر" الى رأي الكاتب والصحافي الزميل ياسر أبو هلالة الذي عزى العنف في الجامعات الى أزمة هوية حقيقية. "المشكلة الرئيسية هي غياب هوية وطنية مشتركة للأردنيين من اصول فلسطينية والشرق أردنيين." ويضيف ابو هلالة الى أن الفجوة الاقتصادية تساهم أيضاً في التوترات بالاضافة الى تراجع وانقلاب دائرة التجربة الديمقراطية الأردنية التي بدأت في 1989 وشهدت شراكة وتعاون فيما بين الأردنيين من مختلف منابتهم وأصولهم .. ويخلص أبو هلالة الى أن الحل الوحيد لظاهرة العنف المجتمعي هو ترسيخ الديمقراطية الحقيقية في الأردن.