المياه حاجة أساسية أم سلعة اقتصادية .. د. منى يعقوب هندية
09-01-2011 01:56 PM
هل المياه حاجة أساسية، أو حق من حقوق الإنسان؟ وما هي الآثار المترتبة على اعتبار المياه حاجةً أساسية، أو حقاً من حقوق الإنسان؟ وهل إن إعلان المياه حق إنساني يسرّع حصول البشر على الكميات ونوعية المياه النظيفة؟
إذا اعتبرنا المياه حقاً من حقوق الإنسان فما هي واجبات ومسؤوليات الحكومات على مختلف مستوياتها، وواجبات ومسؤوليات جميع مستخدمي المياه؟ وهل يحتم ذلك أن تكون الحكومات ملزمة بتوفير المياه لكل مواطن من مواطنيها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكننا اعتباره بديلاً يمكن تحقيقه على المدى الطويل؟
إذا كانت المياه ستُسعّر، فكيف يمكن تنظيم هيكلية تسعير بشكل يضمن تلبية الهدفين التوأمين: الكفاءة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية لمناطق محددة؟
أن الحصول على كميات كافية من المياه للاستخدام الشخصي والمنـزلي حق أساسي من حقوق الإنسان مكفول للجميع، وينبغي معاملة المياه كسلعة اجتماعية وثقافية، وليس كسلعة اقتصادية بصفة رئيسية. ووصفها كسلعة اقتصادية يؤدي إلى تحول السياسات ذات الأساس السوقي التي تبين التكلفة الحقيقية للمياه، وتخفض الدعم، وتنطوي على إمكانية إشراك القطاع الخاص في خدمات الإمداد بالمياه.
أصدرت الأمم المتحدة قرارا (2010) يعتبر توفير المياه النظيفة والصرف الصحي من حقوق الإنسان الأساسية، ويحث القرار المجتمع الدولي على "تكثيف الجهود من اجل توفير المياه النظيفة والصحية وغير المكلفة للجميع". حيث أن 122 بلدا صوتت لصالح القرار الجديد، بينما لم يصوت ضده أي بلد وامتنع 41 بلدا عن التصويت. ومن بين الدول التي صوتت لصالح القرار الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا واسبانيا والبرازيل، أما كندا والولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا فكانت من بين الدول التي امتنعت عن التصويت. ورغم أن هذا القرار غير ملزم قانونياً للدول الأعضاء، ولا يندرج ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أن له دلالة معنوية كبيرة ترمز إلى مدى أهمية المياه النظيفة للحياة وضرورة أن يحصل عليها كل إنسان أينما كان.
ورغم أن الحصول على المياه النظيفة متطلب أساسي للعديد من الحقوق المدرجة في الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان المعتمدة في السابق، ولكن لا يرد ذكر المياه فعليا إلا في اتفاقية حقوق الطفل. وتنص الاتفاقية على مياه الشرب النظيفة بوصفها عنصرا من عناصر الحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة.
وقد أوضح كتاب "المياه كحق من حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" إلى الفارق الكبير بين المفهومين وما يترتب عليهما من التزامات في عنق الحكومات والمنظمات الدولية. ومن المقدمات المهمة التي حواها الفصل الأول، تصور القطاع الخاص بدول المنطقة حول كون حصول الأفراد على المياه من حقوقهم الأساسية، فيبين أن وجهة نظر القطاع الخاص تتبلور في أن دوره ينحصر في العقود المبرمة مع الحكومات بتنفيذ مشروعات، دون الدخول في مناقشات فلسفية لا تعنيه.
على الرغم من الوضع الحرج لقضية المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنه يُلاحظ غياب الاهتمام بشكل مثير للقلق بين دول المنطقة بالمفهوم الأشمل لحق الإنسان في المياه، فالمتوسط السنوي للموارد المائية بالمنطقة ككل يقل عن 1500 متر مكعب، وينخفض هذا المعدل في بلدان كثيرة عن 500 متر مكعب، ويأتي ذلك في ظل اعتماد الزراعات بهذه البلدان على الري، والقليل منها يعتمد على المطر، في ظل تزايد مستمر للسكان.
ويركز الكتاب على أن ثقافة المنطقة تجاه توفير مياه الشرب للآدميين مفروغ منها ولا تحتاج إلى زيادة تأكيد أو إيضاح بسبب ترسخ الثقافة الدينية التي تؤكد على هذا المعنى، ولكن المشكلة تبقى في توفير المياه لنشاط الزراعة واستخدام المياه بشكل يحافظ على استدامة بيئية، ولا يعني هذا أن حكومات المنطقة تقبل بإقرار حصول الأفراد على المياه كحق من حقوق الإنسان، شأنها في ذلك شأن بقية دول العالم، فالقبول بحق الإنسان في الحصول على المياه يعني قانونًا مقاضاة الدولة التي تقصر في أداء هذا الحق، وإلزامها بدفع تعويضات تجاه من قصرت في حقهم.
ويخلص الفصل الثاني من الكتاب إلى أن حق الحصول على المياه بشكل يومي ما زال حلما بعيد المنال لعدد لا بأس به من سكان معظم بلدان المنطقة. كما تم طرح تساؤل مهم وهو إذا ما تم التسليم بكون حصول الفرد على المياه حق من حقوقه الأساسية، فعلى من يقع تنفيذ هذا الحق؟
يتعين علينا اخذ عامل مهم بعين الاعتبار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهو أن حركة المنظمات غير الحكومية لم تتطور بالسرعة ذاتها التي تطورت بها المنظمات المشابهة في دول جنوب شرق أسيا أو أمريكا اللاتينية. ويضاف إلى ذلك ان الأوساط الأكاديمية والبحثية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تبدي أي اهتمام خاص بكون المياه حقا من حقوق الإنسان وفي الآثار التي تترتب على هذا الحق. كما انه ليس من السهل العثور على أي أبحاث جدية ومتواصلة تجري حاليا أو أي منشورات هامة من أبحاث الأوساط الأكاديمية في هذا المجال عموما."
إنَّ المياه، بمعنى وجودها على كوكب الأرض لم تعتبر او تعامل على أنها سلعة أي "Commodity" مثل الموارد الطبيعية الأخرى كالمعادن والنفط والأحجار وغيرها، كما لم تؤسس علاقة البشر بالمياه على هذا الأساس منذ بدء الخليقة، بل تأسست علاقة البشر بالمياه باعتبارها موردا طبيعيا متاحا للبشرية، مثلها مثل الهواء أي إنها (Common Good ) تمنح الحياة وتخلق ظروف ازدهارها، إلا أنَّ التطور الحضاري المعاصر، وحجم التلوث الذي أحدثه البشر كنتيجة مباشرة لحضارته المادية الحالية، والسيطرة المحكمة على جريان المياه، والتحكم بها عن طريق السدود والخزانات والمنشآت الأخرى، وارتفاع مستوى المعيشة نتيجة التنمية الاقتصادية، حتم معالجة وتصفية وتعبئة المياه لأغراض الشرب أو الاستخدامات الصحية واللهو أو الترفيه، ما جعل تداولها كسلعة أمرا ممكنا، لتغطية التكاليف الإضافية التي يتطلبها إعداد المياه بالصيغة المرغوبة، إلا أنَّ ذلك لم يحول المياه إلى سلعة تباع وتشترى بصيغتها الطبيعة، ولكن من المفيد الالتفات إلى الرغبة الشديدة لدى الاحتكارات الدولية، ودول المنبع التي أتاح لها موقعها الجغرافي قدرة التحكم بجريان المياه، من الدفع باتجاه تحويل المياه إلى سلعة تباع وتشترى أو تستبدل بسلع أخرى.
الجامعة الألمانية الأردنية
قسم هندسة المياه والبيئة وإدارتها