للشهر الثاني على التوالي يواصل الكيان الصهيوني ارتكاب المجازر الوحشية بحق الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة ، في ظل إمعان تام في مواصلة ارتكاب المزيد من الجرائم ضد المدنيين ، اذ تعجز المفردات عن وصف ما يجري ، فهذا الظلم والإجحاف والغطرسة الكونية التي تمارس ضد الفلسطينيين تظهر العالم وكأنه تجرد من آخر أوراق التوت التي كانت تستر عورته ، اذ يتماهي في دعم الانحطاط الصهيوني ، بتحفيز الكيان الإسرائيلي على ضرب عرض الحائط بكل القوانين والتشريعات وبأخلاقيات الحروب وقوانينها .

أكثر من ثلاثين ألف طن من القنابل ألقتها الطائرات الصهيونية ، قتلت أكثر من عشرة آلاف إنسان أغلبهم من النساء والأطفال والعجزة، أما الجرحى والمعاقون فيفوق عددهم العشرون ألف جريح ، احياء دُكت عن بكرة أبيها، وخرجت المستشفيات عن الجاهزية، ودمرت فوق رؤوس المرضى ، فتلك الحرب تسير نحو مزيد من التصعيد والكراهية والحقد الأعمى ضد الإنسانية، وبمزيد من القتل والدمار والإصرار الصهيوني على ترحيل مواطني غزة وسلبهم ما بقي من وطنهم فلسطين.

امام هذا المشهد الدامي ، واستفحال الكيان الصهيوني في قصفه الاجرامي بحق الأبرياء ، وارتكابه أبشع الجرائم الإنسانية ومجازر الإبادة الجماعية التي استهدفت المدنيين الأبرياء، غير آبه بنتائج تلك الفظائع الإجرامية التي قضت على كل مناحي الحياة ودمرت مقدراتها ووسائلها الضرورية في ظل صمت معيب من قبل المجتمع الدولي الخانع للسياسة الإسرائيلية والتي أثبت بصمته أكذوبة حقوق الإنسان وهزلية مؤسساتها الراعية لذلك ، فكان لابد من موقف اردني واضح يضع حداً لهذه الانتهاكات بالوقوف إلى جانب إخوانه في فلسطين ، اذ توالت ردود الفعل الشعبية والرسمية ، "فصدى ألم الأشقاء والأهل في فلسطين وجراحهم وشهدائهم كلها تتردد في نفوس الأردنيين جميعا ووجدانهم وضمائرهم، وفي كل بيت أردني"

من هنا جاء الموقف الأردني الهاشمي ، وكان موقف جلالة الملك واضح "ففلسطين ستبقى بوصلتنا وتاجها القدس الشريف"، فوقف كل ابناء الشعب الاردني صفاً واحداً خلف قيادته ومواقفها المتقدمة، من أجل الوفاء بهذا العهد ، وبذلك فقد أثبتت القيادة الحكيمة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أن الاردن لن ينساق وراء الصمت المريب للمجتمع الدولي، ففرض كلمته وأثبت وجوده ليكون بذلك البلد العربي الذي له موقفه الحازم ، فهو الأقرب إلى فلسطين وقت الشدة .

إن الدور المحوري البارز للاردن لم يكن يوما "استهلاكاً للوقت" أو استعباطاً او مجرد "استعراضات إعلامية" بقدر ما كان موقفاً وطنياً وإنسانياً وعروبياً تجاه فلسطين ومقدساتها ، حيث ابناء الشعب الواحد هبوا لنجدة غزة والشعب الفلسطيني المكلوم ليقفوا بذلك امام كل التحديات ، فهذا الموقف لم يأتي إلا من دولة تمتلك إرادة صلبة وسيادة وحرية .

جلالته الملك لم يألو جهداً وهو يجوب الدول لكسب التأيبد لموقف الأردن ورفع الظلم عن ابناء الشعب الفلسطيني ، فقد عبر في كافة المحافل الدولية رفضه لهذه الحرب المستعرة على غزة ، واعتبر أن ما تقوم به إسرائيل جريمة حرب "نكراء" لا يمكن السكوت عنها، وعلى إسرائيل أن توقف عدوانها "الغاشم" على غزة فورا، والذي يتنافى مع كل الاعراف والقيم الإنسانية والأخلاقية ويشكل خرقا فاضحا لقواعد القانون الدولي الإنساني ، فالأردن سيبقى على الدوام في طليعة المدافعين عن حقوق الأشقاء الفلسطينيين وقضيتهم العادلة .

وبذلك ، فان الموقف الاردني موقف ثابت وواضح ، حيث يقف في مواجهة باتت "علنية" ضد الحرب الإسرائيلية في غزة، مُستخدما كل أساليب وأدوات الضغط لمنع حدوث "تهجير قسري" لسكان القطاع أو الضفة الغربية ، فنحن في الأردن نعتبر القضية الفلسطينية "شأنا أردنيا"، قبل أن يكون فلسطينيا ، وأي محاولات للتهجير من الضفة وغزة سيكون بمنزلة "إعلان حرب" على الاردن كما جاء على لسان دولة الدكتور بشر الخصاونة .

ان الاردن يشدد وبشكل يومي على رفض ما يطرح من سيناريوهات في سياق غير واقعي ومرفوض، و "لا يتعامل معها " ، فالأردن ومن ناحية مبدئية، ومن ناحية المصالح العليا للشعب الفلسطيني وللاردن أيضاً يرفض أي سيناريو يتناول قضية غزة وحدها، لان ذاك سيكرس هدف إسرائيل بفصل غزة عن الضفة الغربية ، ويأخذنا لمسارات خطيرة لا تصب بصالح الشعب الفلسطيني وقضيته ، فأي حديث استباقي يروج له البعض عن سيناريوهات ما بعد غزة هو "قفز في الهواء" .

وأخيرا فان الاردن يعتبر ان العزة والكرامة والخلود، قيم هي اليوم هوية فلسطين ، ويقرأ الحرب على غزة، كأنها على حدوده لاعتبارات استراتيجية متعددة، كما وصفها الكثير من المحللين ، ووفقا لمصادر مطلعة، فإن الأردن ، يحتفظ بخيارات أخرى للتدرج في التصعيد في سبيل إيقاف الحرب على غزة ، بينما يتماهى الموقف الرسمي مع الشارع الأردني بوضوح، اذ أعلنت العديد من مكونات النسيج الأردني الواحد تأييدها المطلق لموقف الاردن الثابت والواضح ووقوفها خلف قيادتها الهاشمية .

وللحديث بقية..