فيلم هندي * د. معن القطامين الحمايدة
mohammad
28-02-2011 08:17 PM
لا أعرف لماذا عادت بيَ الذاكرة إلى آخر اجتماع عقدته في مدينة بونا الهندية العام الماضي وتحديداً في شهر آب، وذلك عندما باغتني أحد الهنود بأغرب اقتراح قد تسمعه في حياتك...!
- هل من الممكن أن نستعين ببعض الموظفين الأردنيين للعمل في الهند؟
- مش فاهم...؟!
- كما تعلم فإن الأجور التي يتقاضاها الهنود العاملون في مجال التكنولوجيا قد أصبحت باهظة للغاية، لذا فإنني أقترح أن نقوم باستقطاب موظفين من دول أخرى بشرط أن يتقنوا اللغة الإنجليزية!...بالمناسبة ما هي معدَّل المرتبات في الأردن؟!
بينما نحن منشغلون الآن بالتحولات السياسية التي تحدث أمام أعيننا في أغلب الدول العربية في مشهد مثير لم يشهد العرب من قبل، أجد أنه من الواجب علي هنا التنبيه إلى أن التحولات السياسية الحالية ستحمل في طياتها -كنتيجة حتمية- تحولات اقتصادية ان لم نقم بالانتباه إليها، فإننا سنكون- على حسب التعبير الشعبي- مثل "مصيف الغور"!
في العام 2004 توجهتُ إلى الهند لافتتاح مكتب جديد يتم من خلاله تطوير برمجيات تُعنى بالتعليم الإلكتروني. وقد كان من أهم الأسباب التي حدت بي إلى اختيار الهند هو توافر الأيدي العاملة المدربة، إتقانهم للغة الإنجليزية وتدنِّي المرتبات، إضافة إلى قوانين تشجيع الاستثمار الأجنبي هناك. كنتُ قد افتتحتُ في نفس العام مكتباً مشابهاً له تماماً في الاردن. في تلك السنة، أيّ عام 2004، كان مرتب الموظف الأردني يقارب ضعفي المرتب الذي يتقاضاه مثيله الهندي.
منذ عام 1980 وإلى عام 2002 كانت الهند تشهد معدلات نمو تساوي 6% سنوياً، حيث ارتفع هذا المعدل منذ عام 2002 إلى عام 2006 ليصل إلى 7.5% سنوياً، مما يعني أن الهند قد أصبحت من أفضل اقتصاديات العالم أداءً في وقتنا الحاضر. فخلال العقدين المنصرمين تضاعف حجم الطبقة الوسطى في الهند أربع أضعاف ليصل إلى 250 مليون نسمة، أي أن الطبقة الوسطى في الهند تعادل تقريباً ثلثي حجم السكان في الدول العربية! وبالتالي أصبحت الهند تمثل الاقتصاد الرابع في العالم بعد أمريكا، الصين واليابان بالترتيب.
إلا أن هناك مقياساً مهماً جداً هنا لا بدَّ من أخذه في عين الاعتبار وهو المعيار الأهم في الحكم على التنمية في الدول ويسمى "الرقم القياسي الجيني". يفسر هذا المقياس درجة اللامساواة المحلية في معدلات التنمية في دول العالم، وبالتالي نجد أن معدل اللامساواة في توزيع الدخل في الهند 33، بينما تُعتبر الدول الأكثر مساواة في توزيع الدخل أقرب إلى الصفر في المائة (مثلاً، تُعتبر السويد من أكثر الدول مساواة في توزيع الدخل 20) أما الدول الاسوأ فهي التي تحصل على ترتيب عالٍ (مثلاً، تُعتبر ناميبيا من أسوأ دول العالم في توزيع الدخل حيث أن مقياسها الجيني يساوي 70). فإذا قمنا بمقارنة هذا المقياس مع الاقتصاديات الثلاث الأولى، فسنجد أن أمريكا 41 الصين 45، اليابان 38، أي أن توزيع الدخل في الهند يتفوق على أهم ثلاث اقتصاديات في العالم.
لقد حرصت الهند على تبني استراتيجية للتنمية الاقتصادية تعتمد على العمالة الماهرة وتطوير قطاع الخدمات بدلاً من القطاع الصناعي والتركيز على التكنولوجيا، وهذا يعني أنها ارتأت تطوير استراتيجية تختلف كلياً عن تلك التي انتهجتها جارتها...الصين، حيث اعتمدت الصين على الصناعة وسياسة الإغراق العالمي والأيدي العاملة غير الماهرة.
تبادرت جميع هذه الأفكار إلى ذهني عندما انتبهت إلى أن مرتب العامل الهندي الماهر قد أصبح الآن ضعفي مرتب الأردني الماهر في مجال التكنولوجيا! لقد انعكست الآية تماماً خلال 7 سنوات فقط! ومن هنا كان هذا الإقتراح مثيراً للعجب بالنسبة لي. هل سيأتي اليوم الذي يبحث فيه الأردني عن عمل في الهند؟!
إلا أن صاحب الاقتراح تراجع عن اقتراحه بعد أن عرف أن عدد سكان الاردن لا يتجاوز الستة ملايين نسمة، في حين يتجاوز عدد سكان الهند المليار و100 مليون نسمة! فسألني:
- ستة ملايين فقط؟
- بس مش أي ستة ملايين!
إن اقتصادنا الوطني اليوم يبحث عن مخرج...ولكنه لن يجده بالطريقة الاعتباطية الحالية، ذلك أن غياب الاستراتيجية الوطنية لتأهيل الشباب بشكل حقيقي وغير خطابي وعدم التركيز على فكرة أن اليد العاملة الماهرة الأردنية هي المحرِّك الرئيسي في أي خطة تنموية شاملة، يعني بأننا لن نخرج من قعر الزجاجة، وليس من عنقها...حسب ما يعتقد البعض!
إن التحول الاقتصادي الذي ستشهده مصر، على سبيل المثال، سيركز على أن تكون مصر هي هند الشرق الأوسط، فهي تمتلك كافة المقومات لذلك ما عدا البنية التعليمية الحديثة والتي أرى أنه سيتم بنائها بسرعة كبيرة في ظل وجود حكومة واعية، لتكون المحرك الأساسي وراء التنمية الحقيقية التي من المتوقع أن تشهدها أرض الكنانة العزيزة على قلوبنا جميعاً، مما سيعطينا أملاً جديداً وأكثر واقعية، فبدلاً من البحث عن فرصة عمل في الهند فإن مصر ستكون الأقرب بلا شك...!