facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كتاب التكليف رؤية ملكية نحو اقتصاد رقمي ونمو اقتصادي


النائب الدكتور شاهر شطناوي
18-10-2024 07:28 PM

بعد أن تطرقت في مقالَي السابقين إلى محورين رئيسيين في كتاب التكليف السامي الذي وجهه جلالة الملك عبدالله الثاني لدولة الدكتور جعفر حسان، سأقف اليوم على المحور الثالث الذي أبرز فيه جلالته أهمية تحقيق التقدم في قطاع التكنولوجيا والمجالات المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، حيث تناول نص الكتاب عدة محاور حيوية تعكس رؤية شمولية للمستقبل الاقتصادي للأردن، وذلك بالتركيز على التكنولوجيا والأمن السيبراني والنمو الاقتصادي المستدام، ولفهم هذه الفقرة بشكل عميق لا بد من النظر إلى القيم والمرجعيات الفكرية التي تستند إليها الرؤية المطروحة، وربطها بسياقات أوسع تشمل التحديات العالمية والفرص الناشئة.

فالإشارة في كتاب جلالته إلى أن "الأردن شكل نموذجًا متقدمًا في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" تعكس فلسفة قائمة على التقدم التكنولوجي كسبيل لتحقيق السيادة الاقتصادية والسياسية، والتكنولوجيا في هذا السياق ليست مجرد أداة لتحسين الخدمات، بل هي وسيلة لتحقيق استقلالية الدولة في عصر العولمة الرقمية، فبناء "مركز إقليمي لخدمات تكنولوجيا المعلومات" يعني أن الأردن يسعى إلى تحويل موقعه الجغرافي والسياسي إلى ركيزة اقتصادية قادرة على المنافسة عالميًا.

وهذا يحمل رؤية مستقبلية إذا ما نجح الأردن في استقطاب الشركات العالمية ودعم الرياديين المحليين، فإنه قد يصبح جزءًا من شبكة عالمية جديدة تقوم على الاقتصاد الرقمي والابتكار، مما يعزز من استقلاله السياسي والاقتصادي، عندها يمكن للأردن أن يشكل نموذجًا لدولة تتعامل مع الاقتصاد الرقمي كقوة ناعمة، تعزز من قدرتها على التأثير الإقليمي والدولي، ولكن هذا يتطلب بناء أنظمة متكاملة تُعزز الابتكار، مثل التعليم المتقدم، والتشريعات الرقمية، والبنية التحتية التكنولوجية التي تستوعب التحولات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكشين.

وفي نفس السياق تتجلى الفلسفة التعاونية في الدعوة إلى "توظيف تكنولوجيا المستقبل" بالتعاون مع القطاع الخاص والجامعات والجهات المعنية، وهذه الرؤية تتجاوز الفكرة التقليدية للتعاون بين القطاعين العام والخاص، وتبني على مفهوم الشراكة المتكاملة التي تتطلب أن يصبح كل طرف جزءًا من النظام البيئي للابتكار والتقدم، في هذا السياق، يتم التعامل مع المعرفة والتكنولوجيا بوصفها ملكية جماعية يجب توظيفها لتحقيق المنافع العامة.

كما يمكننا أن نتصور مستقبلًا تُصبح فيه الجامعات الأردنية مراكز عالمية للبحث والابتكار، وتقوم بتطوير حلول تكنولوجية تتعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية المحلية، وهذه الشراكات قد تؤدي إلى ظهور نظام بيئي محلي للابتكار يتجاوز مجرد الاستهلاك التكنولوجي ليصبح منتجًا للتكنولوجيا، ومثل هذا النموذج سيؤدي إلى تحول الأردن إلى مصدر للإبداع الرقمي على المستوى الإقليمي، وربما العالمي.

وقد أشار جلالته إلى "الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني" التي تعكس التحديات الوجودية التي تواجهها الدول الحديثة في عصر البيانات والمعلومات، وعليه فإنه يمكننا النظر إلى الأمن السيبراني بوصفه نوعًا جديدًا من الدفاع الوطني، ليس فقط حماية للحدود المادية، بل حماية للوجود السيادي للدولة في فضاء رقمي متزايد التعقيد، وهنا تتجلى فلسفة ترتكز على ضرورة "التأهب المستمر" واليقظة في عالم يتغير بسرعة فائقة.

وعلى المدى البعيد، يمكن أن تتطور هذه الاستراتيجية إلى بناء نظام سيبراني وطني قادر على التكيف مع تهديدات أكثر تعقيدًا مثل الحروب السيبرانية أو التجسس الصناعي، و في هذا الإطار، قد يتحول الأردن إلى دولة تقود الابتكار في مجالات الأمن السيبراني، مع بناء تحالفات إقليمية ودولية تقوم على تبادل المعلومات وحماية الأنظمة الحيوية، وسيكون لهذا تأثير على الأمن القومي، حيث ستصبح السيادة الرقمية جزءًا أساسيًا من هوية الدولة وحمايتها.

وقد ركز جلالته على "تحسين البنية التحتية للنقل" و"مشروع المدينة الجديدة" وهذا يعكس رؤية التنمية المستدامة المتوازنة بين الحاضر والمستقبل، وهذه الرؤية تُبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية بناء المدن وأنظمة النقل بما يتماشى مع التحديات البيئية والاجتماعية الحديثة، وهنا يُطرح مفهوم "المدينة الذكية" كحل للمشاكل الحضرية، حيث يتم دمج التكنولوجيا والبيئة معًا لتحقيق جودة حياة أفضل.
وبالنظر إلى المستقبل في ضوء هذه الرؤية فإنه يمكن أن يتحول الأردن إلى نموذج عالمي للتنمية الحضرية المستدامة، بحيث تكون المدن الجديدة مدنا ذكية، تعتمد على أنظمة نقل حديثة تعمل بالطاقة النظيفة، وتوفر مساحات خضراء واسعة تشجع على الاستدامة البيئية والاجتماعية، وهذا التحول يمكن أن يجعل الأردن نموذجًا للمدن الذكية في المنطقة، مما يعزز من موقعها كمركز إقليمي للتطوير الحضري والابتكار.

وقد أشار جلالته في هذه الفقرة إلى "الهيدروجين الأخضر" و"الطاقة المتجددة" والتي تعكس رؤية تقوم على إعادة التفكير في علاقة الإنسان بالطبيعة، وهذه الرؤية تعتمد على مبدأ الاقتصاد الأخضر، حيث يتم التعامل مع الموارد الطبيعية بوصفها شريكًا في التنمية، وليس مجرد أدوات للاستخدام والاستهلاك، والتحول نحو الطاقة المتجددة يعبر عن وعي بضرورة التكيف مع المتغيرات البيئية العالمية.

وبناء عليه فإنه يمكن أن يصبح الأردن دولة رائدة في مجال الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط، وذلك من خلال الاستثمار في تقنيات الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، وهذه الرؤية ستحقق قفزات اقتصادية نوعية، حيث ستتحول الطاقة المتجددة إلى أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، مما يعزز من قدرة الأردن على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة ويقلل من اعتماده على المصادر الخارجية، وهذا التحول نحو الطاقة النظيفة يمكن أن يضع الأردن في طليعة الدول التي تقود التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر.

وقد أكد جلالته على "تمكين القطاع الصناعي" و"فتح أسواق جديدة" وهذا يكشف عن رؤية قائمة على السيادة الاقتصادية، وهذه الرؤية تستند إلى مبدأ الاعتماد على الذات من خلال تطوير قطاع صناعي قادر على المنافسة عالميًا، ويعتمد على الابتكار والإبداع المحلي، وهنا يتم التعامل مع الاقتصاد ليس فقط كوسيلة لتحقيق النمو، بل كأداة لتحقيق الاستقلالية والسيادة.

وبالتأسيس على ذلك فإنه إذا ما تم تنفيذ هذه الرؤية بشكل فعال، يمكن أن يتحول الأردن إلى مركز صناعي قوي في المنطقة، يعتمد على الابتكار المحلي والقدرة على التصدير، وهذا التحول سيؤدي إلى تنويع مصادر الدخل القومي ويعزز من قدرة الأردن على تحقيق اكتفاء ذاتي اقتصادي، مما سيقلل من تأثير التقلبات الاقتصادية العالمية.

وبالنظر إلى مجمل ما تحمله هذه الفقرة من كتاب التكليف السامي فإنه يمكننا إدراك رؤية متكاملة تستند إلى فلسفة تسعى للتوازن بين التكنولوجيا والتنمية المستدامة، وبين الابتكار والسيادة الوطنية، فالأردن يطمح لأن يكون دولة تجمع بين الحداثة والأصالة، وبين التقدم التكنولوجي والحفاظ على الهوية الوطنية، والرؤية المستقبلية التي تنبثق من هذا النص تعتمد على التحولات الرقمية والابتكار كقوى دافعة للتغيير، وتسعى لتحويل التحديات إلى فرص، حيث يصبح الأردن نموذجًا للدولة الذكية المستدامة التي تقود التحولات الإقليمية في مجالات الاقتصاد، الطاقة، والبنية التحتية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :