مآلات تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن التهجير
د. بركات النمر العبادي
11-02-2025 02:40 PM
تصريحات الرئيس ترامب حول تهجير سكان غزة إلى مصر أو الأردن أو أي بلد آخر تعكس سياسة أمريكية متشددة اتجاه القضية الفلسطينية، وهي امتداد لمواقفه السابقة الداعمة لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، وتعكس هذه التصريحات رؤية اليمين الأمريكي المتطرف الذي يتبنى أجندة إسرائيلية تسعى إلى تقليص الوجود الفلسطيني في الأرض المحتلة، وتتماشى مع سياسة "صفقة القرن" التي هدفت إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر حلول اقتصادية وترحيل الفلسطينيين بشكل غير مباشر ، والكلام هنا عن فلسطين وعن غزه بالذات، وكأن ملكيتهما تعود الى الحكومة الامريكية، وهذه التصريحات تجاهل كبرياء شعب عربي فلسطيني يملك تراب غزة وكامل مقدراتها، وان دولة الكيان ما هي قشة في بيدر الزمن، ولسوف تذهب مثل ما ذهبت الكيانات الاستعمارية التي مرت بها المنطقة من قبل .
التهجير القسري للسكان من مناطقهم يُعتبر جريمة حرب بموجب القانون الدولي (اتفاقية جنيف الرابعة)، وهذه التصريحات تتجاهل حقوق الفلسطينيين في البقاء بأرضهم وحق العودة المنصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة ، وهذا التصريح يُظهر عدم الاكتراث بالقوانين الدولية ، ويشجع إسرائيل على تنفيذ سياسات تهجير قسري كما حدث في النكبة والنكسة، ومن الواضح ان عودة ترامب للبيت الابيض تقدم دعم غير محدود لاسرائيل، ومن المؤكد ان تصريحات ترامب ليست مجرد رأي شخصي، بل تعكس توجهاً خطيراً يهدد مستقبل القضية الفلسطينية ، ومع ذلك ، فإن تنفيذها على الأرض يواجه عقبات كبيرة ، خاصة بسبب الرفض الإقليمي والدولي وحتى الامريكي نفسه ، إضافة إلى ان المقاومة الفلسطينية لن تقبل بأي تهجير جديد ، فإن ردة فعل مصر والأردن فقد جاءت بالرفض دون اي تردد وذلك دعماً لصمود الغزيين والشعب الفلسطيني، وهذا موقف عروبي مشرف وليس لأن استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين فيهما سيؤدي إلى مشكلات اقتصادية وأمنية ، ويهدد الاستقرار الداخلي في كلا البلدين فحسب، بل لانهما بهذا الموقف يتجرأون بقول لا بالرغم من ما نعرفه جميعاً للوضع الاقتصادي والسياسي لهما فهذا نداء لكل الاشقاء العرب أن يحذوا حذو الاردن للقوف في وجه المعتدين على كرامة الامة و مقدرات ووجود شعوبها ، وهذه دعوه لشعب الاردني للوقوف وراء جلالة الملك ودعم هذه المواقف و الدفاع عنها بالغالي و النفيس، اما الموقف الدولي فيمكن أن يؤدي مثل هذا الطرح إلى تصعيد المواجهة في الأمم المتحدة، حيث ستعارضه معظم الدول، خاصة في ظل زيادة التضامن الدولي مع غزة بعد العدوان الأخير.
إن موقف الرئيس ترامب المتطرف تجاه القضية الفلسطينية يعود لعدة أسباب و مآلات سياسية ، أيديولوجية ، وانتخابية ، وهي مرتبطة بمصالحه الشخصية وتحالفاته مع القوى المؤثرة في السياسة الأمريكية ، ومن أهم الأسباب التي تدفعه لتبني مواقف منحازة لإسرائيل ومعادية للفلسطينيين :
1- دعم اللوبي الاسرائيلي والمال السياسي ، فالوبي الإسرائيلي في أمريكا ، مثل "إيباك" و"مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل " يلعب دورًا أساسيًا في تمويل الحملات الانتخابية والسياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط - وكذلك كبار رجال الأعمال اليهود ، مثل شيلدون أديلسون (قبل وفاته) ، كانوا من أكبر داعمي ترامب ماليًا ، وكانوا يدفعون نحو سياسات داعمة لإسرائيل - فالرئيس ترامب يعرف أن تبني مواقف معادية للفلسطينيين يضمن له دعمًا سياسيًا وماليًا قويًا من هذه الجهات.
2- استرضاء القاعدة الإنجيلية المتطرفة - ترامب يعتمد على دعم اليمين المسيحي الإنجيلي ، الذين يؤمنون بأن دعم إسرائيل جزء من عقيدتهم الدينية ، وأن إقامة "إسرائيل الكبرى" ضرورة لعودة المسيح - لهذا السبب ، قام ترامب في الماضي بخطوات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان ، وهي مطالب رئيسية للإنجيليين المحافظين.
3- عداوته للمسلمين والعرب ضمن خطابه الشعبوي - منذ حملته الأولى في 2016 ، وتبنى ترامب خطابًا عدائيًا ضد المسلمين ، مثل قرار حظر دخول مواطني دول إسلامية إلى أمريكا - موقفه من القضية الفلسطينية يعكس نظرته العامة تجاه العرب والمسلمين ، حيث يعتبرهم "إرهابيين" أو "عقبة" أمام الاستقرار وفقًا لرؤية الإعلام اليميني المتطرف.
4-. تحالفه الاستراتيجي مع اليمين الإسرائيلي -علاقته القوية مع نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف دفعته لاتخاذ قرارات مثل "صفقة القرن"، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
5- محاولته إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالحه - من خلال دعم إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية ، يسعى ترامب إلى فرض واقع جديد في الشرق الأوسط ، حيث تصبح إسرائيل القوة المهيمنة ، وتُجبر الدول العربية على الاستسلام أو التطبيع الكامل - يعتقد أن إضعاف الفلسطينيين وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية سيجعل إسرائيل أقوى ، مما يعزز مصالح أمريكا في المنطقة.
لكن تنفيذ سياسات تهجير سكان غزة سيواجه تحديات كبيرة ، بسبب المقاومة الفلسطينية من ناحية ، والرفض الاقليمي والدولي من ناحية اخرى ، والمخاطر التي قد تؤدي إلى تفجير الأوضاع في الشرق الأوسط ، وفي المجمل انها مجازفة غير محسوبة على جميع الصعد من قبل الرئيس ترامب . و ان هناك خبراء في البيت الابيض سيقيمون الوضع و العمل على تصويبه لأن سمعة الولايات االمتحدة على المحك ، وما هذة التصريحات إلا بالون اختبار ثبت فشله قبل ان يكتمل إطلاقه ، وعزز ثقتنا بالقيادة الهاشمية و مواقفها الداعمة للاشقاء الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير والتشبث في ارضهم .
حمى الله الأردن وباقي الدول العربية والاسلامية والدول المحبة للسلام .
* النائب د. بركات النمر المهيرات العبادي.