تُعتبر الحروب والصراعات من أبرز العوامل التي تؤثر سلبًا على إقتصادات الدول والمناطق المحيطة بها، وتُظهر البيانات الاحصائية، أن الحرب على غزة لم تقتصر آثارها على الاقتصاد الفلسطيني و الغزي فحسب ، بل امتدت لتشمل إقتصادات دول الجوار والمنطقة بأسرها، وكذلك الحرب على اوكرانيا ، هذه التداعيات تستدعي جهودًا دولية وإقليمية للتخفيف من الآثار السلبية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة ، وتبين تداعيات الحرب ان هناك إرتدادات طالت الاقتصاد الإقليمي والعالمي على حد سواء .
الهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر أثرت بشكل ملحوظ على التجارة العالمية والإقليمية ، مما أدى الى انخفاض حركة الشحن وقد أظهرت بيانات تتبع السفن أن حركة الشحن التجاري عبر البحر الأحمر شهدت انخفاضًا ملحوظًا في فترات معينة بسبب الهجمات ، مما أثر على تدفق البضائع والنفط ، كما تأثرت التجارة العالمية فقد أشارت بعض التقارير إلى أن الهجمات في البحر الأحمر قد تسببت في خسائر تقدر بحوالي تريليون دولار في التجارة الدولية ، مما يعكس حجم التأثير الكبير على الاقتصاد العالمي والإقليمي، و قد تغييرت مسارات الشحن بسبب التهديدات الأمنية ، مما اضطر بعض السفن إلى تغيير مساراتها بعيدًا عن البحر الأحمر، الامر الذي أدى إلى زيادة تكاليف الشحن وتأخير وصول البضائع .
والحرب الأوكرانية كان لها تداعيات واسعة على الدول العربية ، خاصة في مجالات الأمن الغذائي والاقتصادي ، ارتفاع معدلات الفقر والتضخم ، خلال عام من الحرب ارتفع عدد الفقراء في العالم العربي إلى 130 مليون شخص، وارتفعت نسبة التضخم إلى 14%. زيادة معدلات البطالة و شهدت الدول العربية ارتفاعًا في معدلات البطالة إلى 12% خلال عام الحرب ، مما زاد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية ، تأثر الأمن الغذائي ، و بما أن روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم ، أدى النزاع إلى انخفاض الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول العربية التي تعتمد على هذه الواردات ، كما ادى الى ارتفاع تكاليف خدمة الدينفي البلدان العربية المتوسطة الدخل ، يُتوقع أن ترتفع كلفة خدمة الدين بحوالي 500 مليون دولار أمريكي بفعل ارتفاع أسعار الفائدة.
وقد تأثر الاقتصاد الفلسطيني حيث انكمش الناتج المحلي كما شهد اقتصاد غزة انكماشًا بنسبة 4.5% في الفصول الثلاثة الأولى من عام 2023، ومع اندلاع الحرب تسارعت وتيرة التدهور، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 24% خلال العام بأكمله ، وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي بنسبة 26.1%. كما ارتفاع معدلات البطالة، قبل السابع من أكتوبر 2023، كانت نسبة البطالة في غزة تبلغ 45%. إلا أنها ارتفعت لتصل إلى نحو 80% بحلول ديسمبر من نفس العام ، وارتفعت نسبة الفقر متعددة الأبعاد في فلسطين من 19.5% إلى 47.1% بسبب الحرب.
اما عن التأثيرات على دول الجوار فقد تراجعت الصادرات حيث شهدت بعض المناطق، مثل كاستيون في إسبانيا، انخفاضًا بأكثر من 20% في صادراتها إلى منطقة الشرق الأوسط نتيجة للصراع و ارتفاع أسعار النفط وأدت التوترات في المنطقة إلى زيادة أسعار النفط، مما أثر على الاقتصادات العالمية.
وتأثرت التجارة والملاحة الدولية حيث أدت الاضطرابات في البحر الأحمر إلى تهديدات للملاحة والتجارة الدولية ، مما قد يؤدي إلى آثار وخيمة على الاقتصاد العالمي و زيادة المخاطر الاقتصادية وقد أدت الحرب إلى رفع مستويات المخاطر الاقتصادية في المنطقة ، مما أثر على عدة محاور بما في ذلك التجارة وقطاعات أخرى مثل السياحة والنفط والأسواق المالية تأثيرات على النمو العالمي ، حذر رئيس البنك الدولي، أجاي بانجا، من أن توسع نطاق الحرب في الشرق الأوسط قد يكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي، خاصة إذا تأثرت الدول المساهمة الكبرى في النمو العالمي.
أما في الاردن فقد شهد الاقتصاد تباطؤ في النمو الاقتصادي ، فقد أشار البنك الدولي إلى أن اقتصاد الأردن أظهر صلابة في عام 2023، حيث تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.7% مقارنة ب2.6% في عام 2022، ومع ذلك توقع البنك تباطؤ النمو إلى 2.4% في عام 2024 بسبب تداعيات الصراع في الشرق الأوسط.، وهذا يؤشر الى ارتدادات الحرب سواء على اوكرانيا او على غزة وهذه الارقام تنعكس على باقي المؤشرات التنموية الاخرى .
حمى الله الاردن وحمى قيادته من كل كريهة.
* النائب السابق / د. بركات النمر العبادي.