المرأة تصمد والرجل يغضب .. أسرار بيولوجية وراء فروق الصيام
د. أحلام ناصر
07-03-2025 09:21 PM
بين الدهون والعضلات والهرمونات... هذه أسرار الفرق بين صيام المرأة والرجل
مع حلول رمضان، يتكرر المشهد ذاته في كثير من البيوت، المرأة تمضي يومها الطويل صائمة بين العمل خارج المنزل والاهتمام بالبيت، وتحضير وجبة الإفطار، والعناية بالأبناء، وإستقبال الضيوف وتلبية الالتزامات الاجتماعية بصدرٍ رحب، بل وفي أحيان كثيرة قد تكون حاملاً أو مرضعة، ومع ذلك، تواصل الحفاظ على تماسكها وصبرها طيلة أيام الشهر الفضيل، كما اعتادت في سائر أيام العام.
وفي المقابل، يعود كثير من الرجال إلى المنزل مرهقين، متعبين، عابسي الوجه، قليلي الكلام، وكأن الصيام يخصّهم وحدهم دون غيرهم من افراد الاسرة او المجتمع.
فهل هذا مجرد انطباع اجتماعي متكرر؟ أم أن العلم لديه تفسير حقيقي للعوامل التي تؤثر على قدرة تحمّل المرأة والرجل للصيام؟
الإجابة جاءت من خبراء التغذية والباحثين في الطب الحديث، الذين أكدوا أن هناك عوامل مشتركة توثر على قدرة كل منهم على الصيام، بالاضافة الى الفروقات البيولوجية بينهم، والتي تلعب دوراً أساسياً في قدرة كل منهما للتكيف مع الجوع والعطش والضغوط خلال الشهر المبارك.
الدهون... مخزون الطاقة السري لدى المرأة
تتفوق المرأة بميزة فسيولوجية فريدة، إذ تحتفظ بنسبة دهون أعلى من الرجل تبلغ (21% إلى 35%)، مقارنة (بـ8% إلى 21% لدى الرجال). هذه الدهون ليست مجرد أرقام، بل هي خزان طاقة يمنح المرأة قدرة استثنائية على الصمود خلال ساعات الصيام الطويلة، إذ تمدّها بطاقة مستمرة تقلل من نوبات الجوع الحادة والتعب المفاجئ.
أما الرجل، فيتعرض الى الشعور بالجوع بفعل كتلته العضلية الأكبر، فكلما زادت العضلات ارتفعت حاجته للطاقة. واذا لم يتم اتباع نظام غذائي مناسب خلال الشهر الفضيل فان ذلك يعرض الرجل للشعوربالجوع والارهاق بشكل أسرع والذي بدوره قد ينعكس على مستوى التركيز والحيوية وعلى السلوكيات الاجتماعية.
لذلك، يُوصى بالحرص على تناول وجبة سحور متكاملة تعتمد على البروتينات والخضروات، لدعم احتياجات الجسم من الطاقة وتعزيز القدرة على مواصلة الصيام بمرونة وحيوية أكبر.
الهرمونات... بين تهدئة المرأة وعصبية الرجل
في أوقات الأزمات وتحت ضغط الصيام، تلعب الهرمونات دورًا محوريًا في مساعدة المرأة على ضبط الأعصاب والحفاظ على توازنها النفسي. إذ يسهم ارتفاع هرمون الأوكسيتوسين لديها في تعزيز الشعور بالهدوء والاستقرار، إلى جانب دعمه للعلاقات الاجتماعية وتقوية الروابط الأسرية، ولا سيما الاهتمام بالأطفال والعناية بهم.
ورغم وجود الأوكسيتوسين أيضًا لدى الرجال، إلا أن تأثيره يبدو أقل بروزًا أمام تحديات أخرى؛ إذ يرتبط انخفاض مستوى الجلوكوز في الدم لديهم بزيادة السلوك العدواني والانفعالي، وهو ما يظهر بوضوح لدى الرجال أصحاب الكتلة العضلية الأكبر، نظرًا لارتفاع حاجتهم للطاقة. وتزداد هذه التأثيرات تعقيدًا بفعل الصورة النمطية للرجل في المجتمع، والتي كثيرًا ما تعيق استفادته من أثر هذا الهرمون الإيجابي على ذاته وعلاقاته داخل الأسرة وخارجها، مما يستدعي وعيًا أعمق بإدارة المشاعر وتعزيز التوازن النفسي في مثل هذه الظروف.
لكن... تعب المرأة ليس خفياً
رغم قدرة المرأة البيولوجية العالية على التحمل، إلا أنها تواجه تحديات مضاعفة خلال شهر رمضان. فهي تجمع بين مهامها الأسرية والمهنية، وتتعامل مع التغيرات الهرمونية الشهرية التي تؤثر على طاقتها الجسدية وحالتها النفسية. ومع الحمل أو الرضاعة، تتضاعف المسؤوليات، مما يجعلها بحاجة ماسة إلى عناية صحية وغذائية خاصة، ودعم نفسي ومعنوي من شريكها ومن حولها.
وقد يصبح الصيام علاجاً وله فوائد إضافية للمرأة بالاضافة الى العوائد الروحانية والاجتماعية لهذا الشهر المبارك، إذا حرصت المرأة خلال على اتباع نظام غذائي متوازن قوامه الخضروات والبقوليات والأسماك وزيت الزيتون، وتجنّبت الإفراط في تناول اللحوم والدهون المشبعة، فإنها بذلك لا تحافظ على طاقتها وحيويتها فحسب، بل تجني أيضًا فوائد جمّة تنعكس على نضارة بشرتها، وحيوية شعرها،
وتوازن هرموناتها.
الجهاز الهضمي والقولون... صعوبات إضافية
مشاكل القولون واضطرابات الجهاز الهضمي تزيد من مشقة الصيام، خاصة لدى من لديهم معدلات حرق عالية. ولتخفيف الأعراض ينصح بتناول وجبات صحية متوازنة وتجنب الأطعمة الدسمة والمسببة للانتفاخ.
الموقع الجغرافي وفصائل الدم... عوامل خفية
الموقع الجغرافي يلعب دوراً، فالصيام في البيئات الحارة مثل الخليج العربي قد يكون أيسر على الانسان المعتاد على الأجواء القاسية مقارنة ببلدان ذات طقس بارد وساعات صيام أطول. واشار بعض الخبراء أن فصيلة الدم قد يكون لها تأثير على القدرة على تحمل الجوع، إن أصحاب فصيلة الدم O يتمتعون بقدرة أعلى على تحمل الصيام، تليهم فصيلة A ، ثم فصيلة AB ، في حين يُعدّ أصحاب فصيلة الدم B الأقل تحمّلًا لفترات الصيام الطويلة.
الخلاصة... دعوة للتفاهم والمودة والرحمة
الفرق في تحمّل الصيام بين المرأة والرجل ليس سبباً للمقارنة أو المفاضلة، بل هو فرصة لفهم طبيعة كل طرف والاعتراف بجهوده وظروفه واحتياجاته. فالمرأة بحاجة لتقدير مضاعف لمجهودها وصبرها وتحمّلها، والرجل بحاجة إلى راحة ودعم وتفهّم لتجاوزه تحدياته البيولوجية والاجتماعية. وليكن رمضان فرصة حقيقية لتطبيق قيم الرحمة والمودة، بأن يمنح كل طرف الآخر مساحة للراحة، وكلمات الامتنان، ومواقف الدعم النفسي والعاطفي والاجتماعي.
كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
فبالمودة والرحمة... يصبح رمضان أهدأ، وألطف، وأقرب لما أراده الله من سكينة بين الزوجين.