الخطاب السياسي والأمن الوطني: مسؤولية الكلمة وأمانة الانتماء
د. تمارا زريقات
13-03-2025 05:06 PM
الخطاب السياسي هو أحد الأدوات الأساسية في تشكيل الوعي المجتمعي، حيث إنه مستوى النضج الديمقراطي في أي دولة؛ متى ما كان الخطاب متزنًا ومسؤولًا، فإنه يسهم في بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، ويعزز الاستقرار الوطني، بينما يؤدي الخطاب غير الدقيق أو القائم على الإشاعات إلى زعزعة الثقة في المؤسسات وإثارة الجدل غير البناء.
في الأردن، الذي كان وما زال نموذجًا للأمن والاستقرار وسط محيط إقليمي مضطرب، يقع على عاتق النخب السياسية، سواء كانت في مواقع المسؤولية أو خارجها، مسؤولية كبيرة في انتقاء كلماتها وتوجيه رسائلها بما يخدم المصلحة الوطنية، لا بما يفتح الأبواب للجدل العقيم أو التشكيك غير المبرر في المؤسسات السيادية التي تعمل على حماية الدولة والمجتمع.
وفي هذا السياق تتضح أهمية إعادة النظر في آليات التواصل السياسي على أنها عملية حوارية تجمع بين البُعد الإنساني والنهج التحليلي العلمي الذي يؤكد على ضرورة تقديم الأدلة والبيانات التي تثري النقاش السياسي وتضمن المصداقية والحياد في تقديم المعلومة والشفافية في سرد الوقائع، بعيداًعن المصالح الضيقة.
أحد اهم وأبرز المفكرين في علم السياسة المعاصر؛ الفيلسوف الألماني ((يورغن هيبرماس)) يؤكد على أن الخطاب السياسي يجب أن يتحول إلى فضاء عام مفتوح يتم فيه تنظيم الحوار والنقاش السياسي بشفافية وعقلانية توفر الأطر اللازمة لتحليل وتوجيه الخطاب السياسي وتبادل الآراء بعيداً عن التأثيرات الشعبوية مما يساهم في بناء إرادة عامة تتجاوز الانقسامات الشخصية؛ ومن الجدير بالذكر بأن المفاهيم التي طرحها ((هيبرماس)) تُعدُّ أساساً لإرساء قاعدة تواصلية متوازنة تعكس تعدد الآراء وتضامن المجتمع مع المؤسسات.
إن من حق الجميع التعبير عن رأيه؛ ومن حق المسؤول أو النائب بموجب دوره التشريعي والرقابي أن يطرح القضايا التي تقتضيها المصلحة العامة ومهام المسؤولية الوظيفية، لكن هذا الحق مرتبط بمسؤولية أخلاقية ووطنية تحتم أن يكون الخطاب قائمًا على الحقائق، وليس على الإشاعات أو الاتهامات غير الموثقة؛ فحين تتحول المنابر السياسية إلى ساحات لإطلاق الادعاءات غير الدقيقة أو المغلوطة، فإن ذلك لا يؤثر فقط على صورة الدولة، بل يضعف ثقة المواطن بمؤسساته، ويخلق بيئة قد تستغلها جهات لا تريد الخير لهذا الوطن.
والحديث عن المؤسسات الأمنية لأي دولة لا يمكن أن يكون موضوعاً للجدل العابر أو السجالات غير المستندة إلى أسس علمية؛ فالأمن الوطني لأي دولة هو الأساس الذي يُبنى عليه الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والتماسك المجتمعي؛ وفي ظل واقع دولي متغير تتعاظم فيه التحديات الأمنية؛ لم يعد الأمن مسألة تُختزل في مواجهة الأخطار العسكرية، بل أصبح مفهومًا شاملًا يُعنى بحماية الدولة من كافة أشكال التهديدات، سواء أكانت أمنية، استخباراتية، أم سيبرانية، ضمن هذا الإطار، يتبوأ جهاز المخابرات العامة الأردنية موقعًا استراتيجيًا في حفظ الأمن الوطني، ويقوم بدور مركزي في حماية الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية، وتعزيز سيادة القانون، وضمان الاستقرار الذي يعدّ أساسًا لاستمرار عجلة التنمية؛ كمؤسسة سيادية تمثل خط الدفاع الأول عن الدولة، وتحمل على عاتقها مسؤوليات كبرى لحماية الوطن والمواطن؛ وعليه فإن أي خطاب يتناول هذا الجهاز -الذي نفتخر ونعتز- يجب أن يكون مستندًا إلى فهم دقيق لوظائفه، وأن يتعامل مع أدواره وفق معايير علمية ومنهجية ، لا وفق انطباعات سطحية أو آراء فردية قد تفتقر إلى الدقة أو الإحاطة الشاملة.
إن انتقاد السياسات العامة أو طرح وجهات نظر مختلفة هو جزء من الديمقراطية، ووسيلة لتطوير المؤسسات وتعزيز أدائها، لكنه لا يكون فعالًا إلا إذا كان قائمًا على معلومات دقيقة وتحليل موضوعي؛ وبالتالي فإنّ النقد السياسي يجب أن يُبنى على ذات المعايير العلمية الدقيقة والتي ترتكز على البحث والتحليل، لكي نستطيع وسمه وتوصيفه ((بالنقد الموضوعي)) المبني على البيانات والإحصاءات الدقيقة، وهذا ما أكده عالم اللسانيات الأمريكي ((نعوم تشومسكي)) في تناوله لتأثير الخطاب الإعلامي والسياسي وأثره في تشكيل الرأي العام؛ بأن تَبَني المنهجية النقدية يعني بالضرورة الموازنة بين المساءلة والشفافية دون الانجرار وراء الخطابات الشعبوية.
أما حين يصبح النقد عشوائيًا، غير مدروس، أو قائمًا على إشاعات غير موثقة، فإنه يفقد قيمته المعرفية، ويتحول إلى خطاب غير مسؤول، قد يضر بمصالح الدولة أكثر مما يخدمها؛ وفي هذا السياق، فإن جهاز المخابرات العامة الأردنية ليست كيانًا يمكن إخضاعه للجدل غير العلمي، لأن دورها يتطلب أعلى درجات السرية والمهنية، وهو ما يجعل من غير المنطقي تقييم أدائها بناءً على معطيات غير مكتملة أو تأويلات لا تستند إلى فهم حقيقي لطبيعة العمل الاستخباري.
وحينما يكون هناك خطاب يتناول فرسان الحق، يجب أن يكون هذا الخطاب مدركًا لحجم التضحيات التي يقدمها أبناء هذا الجهاز، والعبء الذي يتحملونه في سبيل أن يبقى الأردن بلدًا آمنًا ومستقرًا، وبأن الأمن الوطني مسؤولية كبرى تتطلب أن يكون هناك وعي مجتمعي بأهمية دعم المؤسسات السيادية، وليس التشكيك فيها.
جهاز المخابرات العامة الأردنية ليست فقط جهازاً أمنياً، بل درع سيادي يحمي وطننا من التهديدات التي تحيط به من كل جانب، وركيزة أساسية في هندسة الاستقرار الوطني، وإحدى الدعائم السيادية التي تحمي الأردن من التحديات الإقليمية والدولية، وتعزز قوته الداخلية في مواجهة المتغيرات المتسارعة؛ هي عقل الدولة الأمني، الذي يضع استراتيجيات استباقية لحماية الأردن من الأخطار الظاهرة والخفية؛ والحفاظ على الخطاب الوطني الرشيد، يعني بأن تكون المؤسسات السيادية بعيدة عن التجاذب أو التشكيك غير المدروس؛ لأن الأمن ليس خيارًا، بل هو ضرورة وجودية لكل دولة تسعى للاستمرار في عالم لا يعترف إلا بالقوة والاستقرار؛ وإن كان هناك واجب وطني على كل أردني، فإنه يبدأ من وعي المجتمع بأهمية دوره، ويمتد إلى الخطاب السياسي والإعلامي الذي يجب أن يكون مسؤولًا، واعيًا لحجم التحديات، ومدركًا أن التشكيك غير الموضوعي أو الاجتهادات الشخصية في المؤسسات الأمنية قد تُوظَّف دون قصد في ضرب ثقة المجتمع بمؤسساته ولا يخدم إلا الأجندات التي تتربص بهذا الوطن…
هذا الجهازلا يبحث عن الأضواء، ولا يحتاج إلى خطابات تمجيدية، لأن إنجازاته تتحدث عنه؛ يعمل بصمت لكنه حاضر في كل تفاصيل الأمن الوطني لا لحماية الدولة فقط، بل لحماية كل بيت، وكل أسرة، وكل مواطن ينعم بالأمان تحت راية هذا الوطن
في الجندويل: فرسان الحق، وحُماة الوطن
في الجندويل: سندنا وعزوتنا وفخرنا …نسلٌ أصيل من شجرة الوطن العتيقة المباركة.