المحتوى الرقمي ومنظومة القيم
د. أميرة يوسف ظاهر
13-03-2025 08:48 PM
في لقاء لجلالة الملكة مع ثلة من الشباب والشابات الأردنيين في قصر الحسينية، تبادلت جلالتها حديث منفتح عن صناعة المحتوى الرقمي وأثره في إشاعة مشاعر الكراهية أو الوئام والتعاطف بين الأفراد، ولفتت إلى أن المحتوى يساهم في تعزيز القيم الإنسانية، أو يعمل على إضعاف روح التسامح.
وفي الأسابيع الماضية تشرفت بحضور مؤتمر متخصص تعلق في توحيد الخطاب الرقمي، وآليات مراقبة المحتوى أشرفت عليه الكثير من المنظمات الإقليمية والدولية بضيافة أردنية متخصصة وبإشراف منظمة الإسكوا والجامعة العربية ووزارة الاقتصاد الرقمي الأردنية.
لقد خلصت معظم الأبحاث والدراسات في العالم إلى أن دور الشباب في صناعة المحتوى الرقمي أصبح من الضخامة
بحيث يصعب تجاوزه أو إهماله، وأن هناك ضرورة حتمية للقيام بحملة توعوية ترعاها الحكومات والمؤسسات التعليمية لضبط جريان المحتوى الرقمي وتشذيب البنى الأخلاقية فيه، وفي حالتنا في المشرق العربي هناك خصوصية تأخذ القيم بعين الاعتبار، فهناك الكثير من التداخلات للكثير من المشاهير، والصفحات المتعلقة بالأفراد والجماعات، تسهم بطريقة أو بأخرى في زيادة حجم الكراهية نتيجة عدم أخذ منظومة القيم بعين الاعتبار، وللأسف فالراغبون بجر مجتمعاتنا إلى تغريب هنا أو تشريق هناك، وإلى ضرورات انفتاح قيمي هم الأكثر نشاطا في صناعة المحتوى الرقمي، بينما نجد أن الجادين من الأكاديميين والتقنيين منشغلون في الجانب الرقمي التقني، فهم يعملون على صناعة التطبيقات والبرمجيات التي تسمح لصانعي المحتوى بالقيام بتقديم أطروحاتهم بكل سهولة ويسر، بينما يكون أكثر من 70% من المجتمع متلقين لما في الكابينات الرقمية الجاهزة التي تشكل وسيلة للتعلم الذاتي، والإعلام الرقمي الذي يتم بثه من مئات الآلاف عبر قنوات التواصل الاجتماعي، وللأسف ففي مشرقنا العربي وضمن مجموعات إقليمية تتبع للعالم الثالث يكون المحتوى
خاليا من مضامين قيمية وعلمية ما ينعكس على ثقافة المجتمع وسلوك الأفراد فيه، مع أن نسبة المحتوى العربي لم تتعد نسبة 1% من المحتوى العالمي، إلا أن هناك برمجيات وتطبيقات ترجمة بالغة الدقة والرصانة تسهم في تمكن المتلقي العربي، في البعد الإقليمي والأردني، ففي الواقع المحلي ينهلون الكثير من القضايا من لغات أخرى، فالمحتوى باللغة الإنجليزية يتعدى 55% وهذه دراسة تعتمد الموسوعة التي وضعت باللغة الإنجليزية وهي الويكيبيديا، وهي الأكثر رصانة ودقة إلا أنها تأخذ بالسرديات الغربية المليئة بالمغالطات لغاية تحسين الصورة النمطية للإنسان الغربي في منطقتنا العربية، ولذلك بدات منظومة القيم تعتمد الكثير من الروايات
خارج السردية العربية التي تعتمد الكثير من المرجعيات والتي على رأسها المرجعية الدينية، والتي غالبا ما تشكل الكثير من التناقضات في الكثير من المفاهيم، فهناك خطاب كراهية بين الطوائف الدينية الإسلامية يفوق حجم الكراهية بين الأديان المختلفة، وهذا يحتاج لدراسات وأبحاث مراكز الدراسات والجامعات،
وطلبة الدراسات العليا، إذ يستوجب على المنظمات والمؤسسات أن تقوم بتشريع القوانين الخاصة بالحد من الكراهية المتأتية من المحتوى الرقمي بأشكاله المقروءة والفيديوية والمسموعة.
وما ينطبق على المرجعية الدينية يشبه ما يكون في المرجعيات التاريخية والثقافية والسياسية، فهناك معركة بين
الكثيرمن الإثنيات في العالم، وكل واحدة تتبنى وجهة نظر مختلفة، وتعمل الكثير من هذه الاثنيات على نشر فكرها بعيدا عن المعتقدات الأخرى، وفي كثير من الأحيان على حساب الأخرى، بحيث تزرع بذور الكراهية وتكون سببًا لمعارك بين دول متجاورة وغير متجاورة وحروب أهلية، فتظهر جماعات متطرفة تطالب بحقوق وهمية.
لقد كان هناك محدودية في المعلومات قبل وجود إنسياب بهذا الحجم من الحرية وصار بوسع الأفراد الحصول على الكثير من المعلومات والبيانات، وصار الإطلاع متاحا يمكن الناس ليكونوا أكثر ميلًا لإتخاذ مواقف في كل القضايا المطروحة دوليا وإقليميا ومحليا.
ولذلك علينا أن نكون مستعدين لتطبيقات فائقة الذكاء في المحتوى والسرعة، ما يقلل المساحات التقليدية من الجغرافية إلى دولة العالم متناهية الصغر بسبب التقدم الرقمي، وأن نكون جاهزين في الإطار القيمي للصدمات القادمة.