متى يصبح أداء الواجب بطولة ؟!
محمود الدباس - أبو الليث
01-04-2025 12:57 PM
حينما يكون الأصل.. أن المسؤول يؤدي عمله كما يجب.. بحرفية وأمانة.. وعندما يكون هذا هو المعيار الطبيعي لأي منصب يُناط بصاحبه.. فلماذا إذاً نحتفي ببعض المسؤولين.. وننثر حولهم المديح؟!.. أليس ذلك تملقاً؟!..
الحقيقة ليست كذلك أبداً.. بل الأمر أبعد وأعمق.. نحن لا نمدح المسؤول.. لأنه يؤدي واجبه.. بل لأننا في واقع -للاسف أقولها- يندر فيه.. أن نجد من يؤدي واجبه كما يجب.. في زمن.. أصبح فيه المنصب فرصةً لمراكمة المصالح الشخصية.. وميداناً لتصفية الحسابات.. أو تجيير السلطة لخدمة الأهواء.. أو ميداناً لتفريغ عقدة النقص.. في زمن باتت المسؤولية عبئاً ثقيلاً على من يحملها بإخلاص.. وفرصة ذهبية.. لمن يستغلها بأقصى ما يمكن..
وحين نجد مسؤولاً يُحاصر بالضغوط.. ويتحرك في هامش ضيقٍ يكاد يخنقه.. لكنه رغم ذلك.. يستغل كل شبر متاح.. ليحقق العدل بين موظفيه.. ليخدم الناس بما يستطيع.. ليبقى ضميره حياً.. وهو يوقع أوراقه.. هنا فقط.. يصبح من حقه أن نذكره.. ونرفع اسمه عالياً.. لا لأنه يقوم بواجبه فحسب.. بل لأنه يقوم به.. رغم كل ما حوله من محاولات الإفساد..
إن التغني ببعض المسؤولين.. ليس ضرباً من التملق.. ولا هو صك براءة لكل مسؤول يتقلد منصباً.. بل هو محاولة أخيرة.. لخلق عدوى إيجابية.. لإثارة الغيرة في قلوب من تناسوا.. أن المنصب تكليفٌ.. لا تشريف.. لعل واحداً منهم.. يستيقظ من سباته ويراجع نفسه..
نحن لا نرفع شأن المسؤول النزيه.. كي نمنحه وساماً.. بل كي نسلط الضوء على الفرق.. بينه وبين أولئك الذين لا يرون في مناصبهم.. سوى مكسبٍ شخصي.. فالمسؤول الحقيقي.. لا يحتاج منا مديحاً.. لكنه يستحق أن نذكره.. كي لا يُبتلع صوته بين ضجيج الفاسدين.. وكي ندفع الناس.. للتفريق بين من يعمل بإخلاص.. ومن يعمل لنفسه..
وحين نمدح مسؤولاً.. فإنما نريد أن نقول للناس.. ليس كل من جلس على كرسي السلطة خائناً.. ليس كل من وقّع على قرار ظالماً.. هناك من لا يزال يرى منصبه مسؤولية.. هناك من لا يزال يعمل ليترك أثراً نظيفاً خلفه.. هناك من يسير بين فكي الفساد والمحسوبيات.. لكنه يختار أن يخرج من بينهم أبيض اليدين..
وفي المقابل.. هناك مسؤولون آخرون.. لا يبالون.. تراهم يتكئون على مقاعدهم بوجوه جامدة.. لا يشغلهم.. سوى تمضية الأيام بأكبر قدر من المكاسب.. منافع شخصية.. علاقات نفعية.. قرارات تضمن لهم خروجاً مريحاً من السلطة.. بأقصى ما يمكن من الامتيازات.. هؤلاء.. لا يعنيهم أن تنهار مؤسساتهم.. أو أن يلعنهم الناس بعد رحيلهم.. المهم أنهم عبروا بأمان.. وجيوبهم ممتلئة..
لهذا.. فإن إبراز النماذج النزيهة.. ليس مجرد إشارة إلى القلة الصالحة.. بل هو وضع خطٍ واضحٍ.. بين من يحترم الأمانة.. ومن يخونها.. هو دعوة للناس.. كي ترفع وعيها في تقييم من يُسيّرون أمورها.. وصرخة في وجه كل مسؤول نائم في مكتبه.. بأن هناك من يراقب.. وهناك من يسجل.. والتاريخ لا ينسى..
ففي نهاية المطاف.. علينا أن نعي جيداً.. لا يبقى إلا الذكر الحسن.. أو اللعنة التي تطارد أسماءً طمسها الظلم.. والجشع.. والخذلان..