الترشيد يعني استخدام الموارد بفاعلية ، معتمدا على عدم الاسراف و التوازن بين الوارد و كميات الاستهلاك ، ويمكن ان يعزز الفهم المطلق لمبدأ الترشيد ، وهو مبدأ اقتصادي وإداري ، يعتمد على الاستخدام الفعال والاقتصادي للموارد المتاحة، سواء كانت مالية، بشرية، أو طبيعية ، و يهدف الترشيد إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الموارد ، مع تقليل الهدر والتبذير، وذلك لضمان استدامتها على المدى الطويل ،وستخدم مبدأ الترشيد في مجالات عديدة ، مثل الطاقة اي استخدام الطاقة بكفاءة، مثل تقليل استهلاك الكهرباء والمياه أو تحسين كفاءة أنظمة التدفئة والتبريد ، المالية: إدارة الميزانيات بشكل فعال وتقليل الإنفاق غير الضروري ،الوقت: اي تنظيم الوقت واستثماره بشكل يُحقق أقصى إنتاجية،الموارد الطبيعية: اي الحفاظ على البيئة من خلال الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية مثل المياه والغابات والمعادن .
و القرآن الكريم يحتوي على العديد من الآيات التي تدعو إلى مبدأ الترشيد في استخدام الموارد والابتعاد عن الإسراف والتبذير . قال الله تعالى:وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"سورة الأعراف: 31 هذه الآية تدعو إلى الاعتدال في الأكل والشرب وتجنب الإسراف ، مما يعكس مفهوم الترشيد في استخدام النعم والموارد.
ويقول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا"سورة الفرقان: ، 67 ، في هذه الآية، يُحث المسلمون على الاعتدال في الإنفاق، فلا يكونوا مسرفين ولا بخلاء، بل يتبعون طريقًا وسطيًا، وهذا يمثل دعوة واضحة للترشيد ، و في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جارٍ"هذا الحديث يكمل ما ورد في القرآن ويحث على عدم الإسراف في استخدام الموارد ، حتى في الأمور التي تبدو متوفرة بكثرة مثل الماء ، وهذا احوج ما نكون لة في شهر رمضان وذلك لما نشهده من من اسراف على الكلية ومن كل شيء ، وكذلك الاسراف في العجلة ونزق الخلق و التوتر بدون مبرر وسرعة اطلاق الشتائم و التلفظ بالفاظ البذاءاة والسباب وربما يتطور الامر الى سحب الشباري وشتم الذات الإلهية و العياذ بالله و الخروج من الملة ، كل ذلك مبني على الاسراف غير المبرر في كل شيء حتى اننا خسرنا كل شيء .
الترشيد له علاقة قوية بالموروث الحضاري، إذ أن العديد من الحضارات السابقة تبنت ممارسات وقيمًا تتعلق بالحفاظ على الموارد واستخدامها بشكل مستدام ، الموروث الحضاري يتضمن مجموعة من القيم والتقاليد التي تعكس كيفية تعامل المجتمعات مع بيئتها ومواردها عبر العصور، وفي كثير من الأحيان يكون الترشيد جزءًا من هذا الإرث و العلاقة بين الترشيد والموروث الحضاري تتجلى في عدة صور :
1- القيم الثقافية والدينية: كثير من الأديان والحضارات القديمة كانت تحث على الترشيد في استخدام الموارد.
2- التقاليد الزراعية: العديد من الحضارات كانت تعتمد على الزراعة وكانت تمارس تقنيات ترشيدية مثل الري بالتنقيط أو بناء السدود لحفظ المياه هذه الممارسات كانت ضرورية لبقاء واستدامة المجتمعات في بيئات جافة أو شبه جافة.
3- البناء المستدام: الحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية القديمة واليونانية والرومانية والإسلامية طورت مبادئ في العمارة والبناء تعتمد على الترشيد في استخدام الموارد الطبيعية مثل استخدام المواد المحلية والتكيف مع الظروف المناخية .
4- لاقتصاد التقليدي: المجتمعات التقليدية كانت تعتمد على اقتصاد يرتكز على الترشيد ، مثل الاقتصاد القائم على المقايضة والاكتفاء الذاتي، حيث كانت الموارد تُدار بطريقة تضمن استدامتها للأجيال القادمة.
5- الحكمة البيئية : في الكثير من الثقافات، كان هناك احترام للطبيعة والتوازن البيئي، مثل الشعوب الأصلية التي تعاملت مع الأرض والموارد بحذر لأنها كانت تدرك أن الاستنزاف قد يؤدي إلى الفناء، هذا الإرث الحضاري يعكس فهمًا عميقًا لأهمية الترشيد والاستدامة.
الترشيد اليوم يمكن أن يكون امتدادًا لهذه الممارسات التقليدية ، حيث يُنظر إليه ليس فقط كوسيلة لتحسين الكفاءة الاقتصادية ، بل أيضًا كجزء من المحافظة على التراث الثقافي والحضاري للأمم واستعادة تلك القيم يمكن أن تساهم في التوجه نحو ممارسات أكثر استدامة تحافظ على الموارد وتحترم البيئة ، مستلهمة من الحكمة الحضارية التي طبقتها الشعوب عبر الزمن.
حمى الله الاردن وسدد على طريق الحق خطاه .
*النائب السابق / د. بركات النمر المهيرات .