ترامب ورقصة الجمارك .. هل هي ضربة معلم أم قفزة للمجهول؟
محمود الدباس - أبو الليث
03-04-2025 02:27 PM
العالم على أعتاب اضطراب اقتصادي جديد.. هذه المرة ليس بسبب حرب تقليدية.. أو أزمة مالية عالمية.. بل بقرار سياسي اقتصادي من البيت الأبيض.. وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مرسوم.. يقضي برفع الرسوم الجمركية على الواردات إلى 20%.. مع بعض الاستثناءات التي شملت الكيان الإسرائيلي بنسبة 17%.. والصين بنسبة 34%.. قرار كهذا لا يمر دون تداعيات عميقة.. فالاقتصاد العالمي.. ليس معزولاً عن بعضه البعض.. وكل حركة اقتصادية في الولايات المتحدة.. تمتد آثارها عبر المحيطات والقارات.. وربما تكون هذه الخطوة.. نذيراً لحرب اقتصادية عالمية.. تعيد رسم خريطة النفوذ المالي والسياسي..
إذا ما نظرنا لهذا القرار من منظور نظريات التجارة الدولية.. فهو يخالف تماماً مبدأ الميزة النسبية.. الذي صاغه ديفيد ريكاردو.. والذي يقوم على أن كل دولة.. يجب أن تركز على إنتاج ما تجيده بتكلفة أقل.. وتستورد ما لا تستطيع إنتاجه بكفاءة.. رفع الرسوم الجمركية بهذا الشكل.. يعني أن المنتجات المستوردة.. ستصبح أغلى داخل الولايات المتحدة.. مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم.. وانخفاض القوة الشرائية للمستهلك الأمريكي.. وبدلاً من دعم الصناعة المحلية بشكل مستدام.. فإن هذه السياسة.. قد تؤدي إلى موجة تضخمية واسعة.. تضعف الاقتصاد.. بدلاً من تقويته..
لكن الأخطر هو ما قد تجرّه هذه الخطوة.. من ردود فعل عنيفة.. فالصين التي طالتها أعلى نسبة رسوم.. لن تقف مكتوفة الأيدي.. بل سترد بخفض عملتها.. أو فرض رسوم مضادة.. مما قد يشعل حرباً اقتصادية شرسة.. تدفع العالم نحو تباطؤ اقتصادي حاد.. الاتحاد الأوروبي بدوره.. لن يصمت على استهداف صادراته.. مما قد يؤدي إلى تصعيد متبادل.. يضع التجارة العالمية في حالة شلل جزئي.. وهكذا تبدأ دورة انتقامية.. قد تعيد العالم إلى سيناريو مشابه لفترة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي..
أما الدول النامية التي تعتمد على التصدير إلى أمريكا.. فستكون الضحية الكبرى.. إذ ستواجه صناعاتها ضربات قاسية.. نتيجة انخفاض الطلب الأمريكي.. وهذا قد يؤدي إلى انهيارات اقتصادية.. وأزمات بطالة واسعة.. ومن هنا تبدأ الاضطرابات الاجتماعية.. التي قد تطيح بأنظمة سياسية بأكملها..
بالنسبة للأردن.. فإن الأمر ينطوي على تحدٍ كبير.. إذ لطالما كانت اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا.. إحدى الركائز المهمة في دعم الصادرات الأردنية.. ومع فرض هذه الرسوم.. ستفقد السلع الأردنية جزءاً كبيراً من تنافسيتها أمام المنتجات المحلية.. أو القادمة من دول استطاعت التفاوض على نسبة أقل من الجمارك.. هذا التأثير.. لن يكون نظرياً فقط.. بل سيمتد إلى المصانع والشركات التي ستواجه خطر انخفاض الأرباح.. وربما تسريح العمالة لتقليل التكاليف.. ما يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي..
أما على الجانب الأمريكي.. فقد يبدو القرار محاولة لتعزيز الاقتصاد المحلي.. من خلال حماية الصناعات الوطنية.. وتشجيع الاستهلاك الداخلي.. لكن وفقاً لنظرية الحمائية الاقتصادية.. فإن فرض رسوم جمركية مرتفعة.. يؤدي غالباً إلى ردود فعل انتقامية من الدول المتضررة.. مما يقلل من الصادرات الأمريكية.. ويخلق صراعات اقتصادية.. قد تتحول إلى أزمات سياسية ودبلوماسية.. وقد رأينا في التاريخ.. كيف أن السياسات الحمائية في ثلاثينيات القرن الماضي.. ساهمت في تعميق الكساد الكبير.. بدلاً من معالجته..
لكن السؤال الذي يفرض نفسه.. هل هذه الخطوات مدروسة بعناية.. أم أنها مجرد اندفاع سياسي.. لخدمة أجندات داخلية؟!.. إن كان الهدف إعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكي.. فالأمر يتطلب استراتيجيات أعمق من مجرد فرض ضرائب.. وإن كان الدافع سياسياً.. لكسب تاييد الامريكيين.. فإن الاقتصاد العالمي.. ليس لعبة انتخابية.. يمكن العبث بها.. دون عواقب وخيمة..
المعضلة الحقيقية هنا.. أن مثل هذه القرارات.. لا تُقاس بتأثيراتها اللحظية.. بل بقدرتها على إعادة تشكيل ميزان القوى الاقتصادية في العالم.. وإذا استمرت هذه السياسات دون حلول دبلوماسية.. فقد نكون أمام نظام اقتصادي عالمي جديد.. أكثر انقساماً.. وأقل استقراراً..
والسؤال الذي لم يطرحه ترامب بعد.. من سيدفع الثمن في النهاية؟!..