دولة الرئيس .. هل تظن بهكذا فعل ستُسعِدنا؟!
محمود الدباس - أبو الليث
07-04-2025 01:55 PM
دولة الرئيس.. لا تظن أن ما فعلته سيسعدنا.. فنحن قد تعاهدنا ضمنياً.. أن لا نعترف بجهدٍ وطني.. ولا نُشجع إلا الغريب.. ولا نُطرب إلا لما يأتينا من وراء البحار..
نعم.. سمعنا بما فعلت.. وأنك استحدثت غرفة نومٍ في مبنى الرئاسة.. حتى تكون قريباً من القرار.. وساهراً على العمل.. وأن تبقى على تواصلٍ مع تفاصيل الوطن.. حتى لو هجم الليل.. لكنك نسيت.. أننا لا نُحب أن نراك مجتهداً.. بل نحب أن نراك نائماً في بيتك.. وننتقد.. أنك لا تتابع..
ولا تستغرب حجم النقد الذي وُجه إليك.. ولا تيأس من تعليقاتهم التي ملأتها النكات.. فنحن شعبٌ اعتاد أن يُصفق لصورةٍ لوزير ياباني.. نائم على مقعدٍ في محطة قطار.. ويمطرها بالمديح.. والشرف.. والإخلاص.. لكننا نستهزئ.. إذا رأينا وزيرنا يتفقد مشروعاً فجراً..
نحن الذين نكتب عن رئيس وزراء كندي.. ذهب على دراجته لحضور اجتماع حكومي.. ونصرخ في التعليقات "يا ريت عنا".. فإذا فعلها مسؤولٌ منا.. قلنا "شو هالتمثيل؟!".. وبدأت الحملات على شكل الدراجة.. وقماش البدلة.. وطول المسافة..
نحن الذين انبهرنا يوماً بصورة رئيس وزراء بريطاني.. يترك سيارته ويمشي تحت المطر دون مظلة.. قلنا عنه متواضع.. نبيل.. عاشق للبساطة.. ولو فعلها رئيسنا.. لقلنا "مفكر حالك بفيلم أبيض وأسود؟!"..
إننا نعاني من انفصامٍ في الإعجاب.. لا نُحب من بيننا أن يجتهد.. وإن اجتهد.. شككنا.. وإن اقترب من مسؤولياته.. سخرنا.. وإن ابتعد.. قلنا "نايم".. وإن أراد أن يبيت في مكتبه.. ليبقى على مقربةٍ من القرار.. قلنا "بده يستعرض"..
نحن لا نُقارن من باب البحث عن الأفضل.. بل نُقارن من باب الجلد.. والجلد فقط.. نحن الذين نشاهد أفلام الساسة الغربيين.. ونتمنى واحداً مثلهم.. ولا نحتمل أن يحاول مسؤولٌ منا.. أن يُشبههم ولو بنصف نية..
الذي يبيت في مكتبه عندهم.. يُسمى "مخلصاً".. وعندنا "نايم تحت المكيف".. والذي يركب الباص عندهم.. "متواضع".. وعندنا.. "عامل حاله شعبي ومتواضع".. والذي يتفقد مشروعاً عند الفجر عندهم.. "مهتم ومتابع شغله".. وعندنا.. "بمثل.. وشوفيني يا بنيّه"..
نحن الذين لا يرضينا شيء.. ولا نُحب شيئاً.. ولا نُبقي فعلاً.. إلا وشككنا في نواياه.. وإن كانت النوايا واضحة..
فلا تعجب يا دولة الرئيس.. إن وجدت قلوباً تسخر من فعلك.. وعيوناً تقرأ الخبر.. ثم تبحث عن زاويةٍ للسخرية فيه.. فقد اعتدنا على أن لا نعترف بالجميل.. إن كان من بيننا.. وأن نُعظم التافه.. إذا جاءنا من بعيد.. "الفرنجي.. برنجي"..
ولن تنجح مهما فعلت في كسب ودهم.. إلا إن أتيت من خلف الحدود.. وبدلت اسمك بلقب أوروبي.. ووضعت بجانب اسمك ترجمةً لاتينية.. عندها فقط.. سيقولون عنك "رائع.. مُلهم.. قائد".. وسيطلبون من المسؤولين المحليين.. أن يتعلموا منك..
أما اليوم.. فأنت لا تستحق إلا النكتة.. ولا تُقابَل إلا بالاستنكار.. والسبب بسيط.. لأنك منّا.. وهذا ذنب لا يُغتفر في عرف الذين لا يثقون بأنفسهم..
فامضِ فيما تراه واجبك.. ولا تلتفت لضحكاتهم.. فإنهم سيضحكون على أي حال.. سواء نمت في مكتبك.. أو نمت على وسادة النقد..