أوقفوا هذا العبث .. "عاجل" تحتضر ..
محمود الدباس - أبو الليث
11-04-2025 06:16 PM
لم تكن "عاجل" مجرد كلمة.. بل كانت صفّارة إنذار.. كأنها طَرَقات على باب وعيك.. تنذرك أن الدنيا تغيرت في لحظة.. أن حدثاً جللاً قد وقع.. وأن عليك أن تترك كل ما في يدك.. لتعرف ما جرى..
كانت الكلمة تبث الرهبة.. وتثير الانتباه.. وتحمل في طياتها مسؤولية من يضعها.. وكأنها قَسَم مهني.. بأن ما يليها ليس عاديا.. وأن المتلقي على موعد مع خبر يهز وجدانه.. أو يقلب موازينه..
لكن.. ما أقبح الإسراف.. حين يُمارس في غير موضعه.. وما أضعف النداء.. حين يتكرر دون مبرر..
فقد أُغرقت ساحات الإعلام بتلك "العواجل".. حتى ما عادت تعني شيئاً..
أخبارٌ مبتذلة.. وعناوين فارغة.. فقط لأن أحدهم أراد رفع نسبة المشاهدة.. أو عدد النقرات..
وإذا بالخبر لا يتجاوز إشاعة بلا أصل.. أو خبراً باهتاً عن انقطاع كهرباء في حيّ.. أو خبراً عن زيارةٍ روتينيةٍ لمسؤول.. أو منشوراً تافهاً لمغنٍ.. لا يُجيد غير الضجيج..
وهكذا.. ماتت الرهبة.. وضعُف الوقع.. وتحوّلت "عاجل".. إلى صدى أجوف.. لا يستوقف أحداً.. ولا يوقظ ساكناً..
ولم يدرك مَن يعبثون بها.. أنهم بذلك يهدمون ثقة الناس بمصدر الخبر.. ويخرّبون مصداقية المهنة.. ويُضعفون أهم أسلحة الإعلام.. وهو التمييز بين العادي والاستثنائي..
كأننا نُعيد قصة راعي الغنم.. الذي ملّ أهل قريته من كذبه.. حين كان يصرخ "الذئب.. الذئب".. وأصبحوا يعلمون أنه يختبرهم فقط.. أو حتى يتسلى..
فلما جاء الذئب فعلاً.. وأكل الغنم.. وصرخ الراعي صراخ الحقيقة هذه المرة.. لم يجبه أحد.. ظنوه يكذب كعادته..
وهكذا يفعل الإعلامي.. حين يستجدي الانتباه دون مبرر.. فيعتاد الناس أن لا يستجيبوا.. حتى وإن كانت صرخته صادقة يوماً..
أيها الإعلامي..
إن كانت لديك مهنية.. فاعلم أن الكلمة عهد.. وإن كنت ذا عقل.. فاعلم أن المتلقي ليس غبياً..
وإن أردت أن تحافظ على قوة تأثيرك.. فحافظ على قدسية اللفظ.. واستخدم "عاجل" كما تُستخدم طلقات التحذير.. لا كما تُستخدم نغمات الهاتف المحمول..
فمَن يُفَرّط في استخدام الإنذار.. سيُفقده احترامه.. ومَن يخلط بين الصراخ والحكمة.. لن يُصغي له أحد.. حتى لو كان صادقاً..
اعقلها.. فإن مَن لا يحترم قوة الكلمة.. لا يستحق أن ينطقها..