من الأزمة إلى الفرصة: كيف نعيد بناء الثقة ونحوّل التحديات إلى تنمية؟
د. أميرة يوسف ظاهر
11-04-2025 10:59 PM
في عالم تتسارع فيه التغيرات، وتتشابك فيه الأزمات، لم يعد بالإمكان الوقوف موقف المتفرج. فالتحديات التي تواجه مجتمعاتنا لم تعد محصورة في الاقتصاد أو السياسة فحسب، بل باتت تمتد إلى الثقافة والتعليم، وسوق العمل، والتكنولوجيا، وحتى السلوكيات اليومية للأفراد.
في الأردن، كحال العديد من الدول العربية، يظهر المشهد الاجتماعي والاقتصادي معقّدا، مليئا بالتناقضات في بلد يتمتع بكفاءات بشرية وتعليم مرتفع نسبيا، وفي الوقت ذاته يعاني من نسب بطالة مرتفعة وفقر متزايد وموارد محدودة. وهذا التفاوت يكشف عن خلل في إدارة الموارد والسياسات الاقتصادية، ويطرح سؤالا جادا: ما الذي يمنعنا من تحويل هذه الطاقات المعطلة إلى محرك للتنمية؟.
نعاني اليوم من مفارقة محزنة؛ فبينما ترتفع البطالة بين الشباب لتتجاوز 18% بين الذكور و32% بين الإناث، يتزايد الاعتماد على العمالة الوافدة في قطاعات الزراعة،والإنشاءات، وحتى العمالة المنزلية. كيف يمكن أن نبرر وجود أكثر من 100 ألف عامل وافد بدون تصاريح عمل مجددة، في وقت يبحث فيه عشرات الآلاف من الأردنيين عن فرص لا يجدونها؟ وهل من المنطقي أن تستمر وزارة العمل في منح تصاريح جديدة دون مراجعة حقيقية لاحتياجات السوق وواقع البطالة المحلي؟.
ليس الخلل فقط في استقدام العمالة، ففي ظل التغيرات المتسارعة في سوق العمل، تبرز أهمية تطوير السياسات التي تضمن انسجاما أكبر بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق الفعلية، بما يعزز من فرص التشغيل ويقلل الفجوة بين الدراسة والواقع المهني، فرغم الجهود المبذولة في تطوير التعليم العالي، إلا أن التوازن بين التخصصات الأكاديمية والبرامج المهنية والتقنية ما زال بحاجة إلى تعزيز، بما يتيح أمام الشباب خيارات عملية تؤهلهم للدخول الفعّال إلى سوق العمل. إذ أن بناء ثقة المجتمع في التعليم يرتبط بشكل وثيق بدرجة قدرته على تلبية تطلعات الأفراد وتحقيق نوع من الاستقرار الاقتصادي للأسر، عبر توفير مفتاح حقيقي للتنمية وتمكين الأسر من الاستثمار في مستقبل أبنائها بثقة أكبر.
من جهة أخرى، لم تعد الحماية الاجتماعية تقتصر على الدعم المباشر، بل باتت مطالبة بالتحوّل إلى منصة تمكين حقيقية؛ فالدعم الحكومي يعتمد في جزء كبير منه على تقارير طبية أو اجتماعية قد لا تعبّر عن الواقع الحقيقي، فيما تنتشر مظاهر الاتكالية على المعونة بدلا من تحفيز الأفراد على المبادرة والعمل؛ فنفقد جوهر التنمية. والمطلوب اليوم ليس المزيد من الإعانات، بل فرص تُعيد للفرد ثقته بقدرته على الإنتاج، إننا بحاجة إلى منظومة تدفع بالأفراد من هامش الانتظار إلى قلب الفعل، وتحوّل صناديق الدعم من أدوات إسعاف مؤقت إلى جسور عبور نحو الاكتفاء والعمل.
وفي السياق ذاته، يلاحظ أن بعض التوجهات التمويلية تركز على التسهيل الاستهلاكي أكثر من دعم المبادرات الإنتاجية، فبينما تُروَّج القروض الاستهلاكية بشروط تثقل كاهل الأفراد وتدفع نحو الإنفاق على الكماليات، تبقى المشاريع الصغيرة وريادة الأعمال في موقع الانتظار، مفتقرة إلى التمويل المرن والدعم الموجّه. هذا الخلل في الأولويات لا يُضعف فقط روح المبادرة، بل يسهم في تكريس نمط اقتصادي قائم على الاستيراد والاستهلاك، بدلا من تحفيز الإنتاج وتعزيز القيمة المحلية للعمل.
أما الحل، فهو ليس في وصف المشكلات، بل في بناء نموذج جديد من التفكير، يعيد الاعتبار للعمل المنتج، ويقلل من الاعتماد على الخارج، ويعيد الثقة بين الدولة والمواطن. علينا أن نعيد رسم أولوياتنا الوطنية، فنربط التعليم بالتشغيل، وندعم التدريب المهني، وننظم سوق العمالة، ونفعّل دور القطاع الخاص كشريك في التنمية لا كجهة توظيف هامشية.
والحل يكمن أيضا في ترسيخ ثقافة الاعتماد على الذات، والانتقال من الدعم العيني إلى التمكين الحقيقي، ومن الاستهلاك العشوائي إلى الاستثمار في الإنسان، فبناء مجتمع منتج لا يبدأ من رأس المال فقط، بل من وعي يُدرك أن النهوض يبدأ من الذات، وأن انتظار الحلول من الخارج لن يجلب سوى المزيد من الانتظار.