موت بطيء لحصن الأمة الأخير
صالح الراشد
13-04-2025 11:29 AM
سقطت مفاهيم الأمة وثقافتها وأخلاقياتها على شاشات التلفاز واختفت توجهات وقدوات العديد من أبناء العروبة، بعد تغييب القنوات للمفكرين والمثقفين بفضل التركيز على أبطال المسلسلات الهابطة معدومة الرسالة، بعد استغلال شركات الإنتاج التلفزيوني شهر رمضان الفضيل لتصدير أسوء وأعنف ما لديها لتسلية الصائمين، وفي العقود الأخيرة اختفت المسلسلات القادر على المساهمة في الارتقاء بالفكر العربي وتنمية العقلية العربية حتى تصبح أنضج وأكثر قدرة على الإبداع، واكتفت الشركات المنتجة بالتركيز على أفلام العنف ورسالتها بأن المال هو الغاية القصوى والأخيرة، وأن جميع الطرق مباحة للحصول عليه والمصيبة الأكبر أنهم حولوا والإعلام المتخصص الخارجين عن القانون لأبطال وأيقونات وواجهة المجتمعات.
وحين نبحث في المسلسلات العربية تصدمنا الأسماء كبداية، فهي جاذبة تعمل على إسالة لعاب المراهقين والمراهقات والمتصابين والمتصابيات فيصبح جبراً على أهل البيت مشاهدتها، لنجد أن ساعات البقاء في البيوت تتقاسمها مسلسلات العتاولة، فهد البطل، الأسطورة، البرنس، ملوك الجدعنة، جعفر العمدة والهيبة بجميع أجزائه، وهي سلسلة مسلسلات تقوم على العنف والخروج عن القانون والصراخ والعويل لتتحول البيوت تلقائيا إلى مراكز للعقد النفسية، بإبعاد لغة العقل وتغليب الصراخ على الحوار وانتشار العناد لاختفاء العقلاء والاكتفاء بمتابعة نماذج الإرهاب المجتمعي، وتشكل هذه النقطة تحول جديد في إلغاء الثقافة القائمة على التقاليد والتي سبقها محاولات دؤوبة من عديد شركات الإنتاج لقتل الحياء بالتركيز على مسلسلات تركية قائمة على حمل السفاح والعلاقات خارج إطار الزوجية، ليصبح الحديث في هذه المواضيع أمر طبيعي بعد أن كان محرماً الخوض فيها.
لقد سقطت شركات الإنتاج التلفزيوني تحت شعار "الجماهير عايزة كدا" والبحث عن الربح المالي الرخيص وأسقطت قيم عظيمة ساهمت في ارتقاء العالمين العربي والإسلامي، ولا نستبعد أن يكون هذا الأمر مدروس بتعمق من جهات خارجية تعمل منذ سنوات على تدمير أخلاقيات الدول وفي مقدمتها المرأة، وأنها ليست مجرد صدفة بل عمل منظم مبني على استغلال شهرة البعض والتسويق الإعلامي الاحترافي للقضاء على آخر معاقل العرب، وللحق فقد نجح هؤلاء بفضل احترافيتهم العالية وغياب الأعمال الدرامية التي تؤرخ لقيمنا ومبادئنا، بل لقد اختفت القضية الفلسطينية كلياً عن الشاشات تماشياً مع المواقف السياسية للدول، كما اختفت الأيقونات العربية التاريخية من علماء وأبطال كما غابوا عن المناهج المدرسية، لتكون المحصلة ارتقاء الغث وغياب السمين مما يؤشر لولادة مجتمعات خرقاء ضائعة لا تعرف الصواب وتسير بسرعة صوب الضياع.
فهل يعقل أن يكون الأنموذج الذي يقتدي به الشباب العربي مهرب مخدرات أو قاتل أو فاسق؟، وأين الحكومات عن هذه المسلسلات وكيف ترتضي إنتاجها؟، وأين الأهل من رقابة الابناء؟، ويبدوا أن الكل في غيبوبة لعدم قدرتهم على مواكبة القدرات التكنولوجية في إدخال هذه المسلسلات للبيوت بطرق متعددة وصعوبة منعها بعد أن صنع لنا الغرب قنوات متخصصة في تدمير حصن الأمة الأخير المتمثل بالأيقونات والرواد، ثم يتسائل الجميع عن أسباب ارتفاع معدلات الجريمة وغياب المبدعين وظهور عادات خرقاء لم تكن معهودة في سابق السنين.!
آخر الكلام:
انهزمت الولايات المتحدة في حربها ضد فيتنام، وعند سؤال أحد القادة الأمريكيين عن السبب قال بأنهم في فيتنام لا يشاهدون الأفلام الأمريكية، وهذه الافلام تصنع البطل الأمريكي وتحوله لمعجزة ليصنع الخوف عند الآخرين فينهزموا قبل بداية الحرب، ونحن كأمة انهزمنا لأننا فتحنا أبوابنا وقنواتنا لكل غريب مريب.