facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الرئيس الصيني والموازنة بين الامن والتنمية في العلاقات الدولية


السفير الدكتور موفق العجلوني
14-04-2025 02:30 PM

حديث الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال مؤتمر العمل المتعلق بدول الجوار في 9 أبريل/نيسان 2025 حمل رسائل استراتيجية مهمة، تتعلق بالدبلوماسية الإقليمية والأمن، والتنمية، وفي نفس الوقت يمكن قراءته في سياق التوترات الدولية، لا سيما قرارات الرئيس ترامب المتعلقة في الرسوم الجمركية وبالذات على الصين.

جاء في حديث الرئيس شي جين بينغ ، أن العمل مع دول الجوار ليس مسألة تكتيكية، بل استراتيجية طويلة الأمد، ترتبط مباشرة بالأمن القومي والتنمية المستدامة. فالجغرافيا، من وجهة نظر بكين، تفرض أهمية خاصة لهذه العلاقات. والحديث عن بناء "مجتمع مستقبل مشترك" ينسجم مع النهج الصيني الذي يروج للتعددية ومواجهة "الهيمنة الغربية"، ويركز على التعاون بدل المواجهة.

أشار الرئيس الصيني إلى أهمية الموازنة بين "الأمن" و"التنمية" في العلاقات مع دول الجوار، وهو خطاب جديد نسبياً يعكس القلق من التحديات الإقليمية، مثل النزاعات الحدودية أو النفوذ الأميركي في محيط الصين. حيث ربط بين التقارب مع دول الجوار ومبادرة الحزام والطريق، وهو ما يعني استخدام أدوات اقتصادية لتعزيز النفوذ السياسي.
هذا المؤتمر يحمل رسائل غير مباشرة موجهة للولايات المتحدة وذلك في ظل محاولات أميركية لبناء تحالفات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتأتي دعوة الصين لتعزيز العلاقات مع الجوار كخط مضاد لعزلها أو احتوائها.

بنفس الوقت عبر الرئيس الصيني عن التركيز على سلاسل الإمداد والتكامل التنموي، وبهذا تريد بكين الحد من الاعتماد على الغرب، وخلق شبكة اقتصادية إقليمية أكثر استقلالًا. وفي ظل الحديث عن زيادة الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات الصينية (أو حتى تقييد التكنولوجيا)، تعزز الصين علاقاتها مع الدول المجاورة لتفادي أي خنق اقتصادي، أو إيجاد بدائل للأسواق الغربية. و تركيز الرئيس الصيني على سلاسل الإمداد والتكامل الإقليمي يمكن قراءته كردّ استراتيجي على تلك الإجراءات، لتقوية "الحصانة الاقتصادية" الصينية.

من هنا فمؤتمر الجوار في واقع الحال، ليس فقط اجتماعا إقليميا، بل يحمل أبعادًا جيوسياسية واضحة، منها: مواجهة الضغوط الأميركية بالانفتاح الإقليم، واستخدام الاقتصاد كأداة استراتيجية، وبناء نظام إقليمي بديل أو موازٍ للنفوذ الغربي، ويمكن اعتبار هذا المؤتمر بمثابة رد هادئ لكن حازم من الصين على السياسات الأميركية التي تهدف إلى احتوائها تجارياً واستراتيجياً.

و في نظرة تحليلية لخطاب الرئيس شي جين بينغ ، أعاد الرئيس التأكيد على رغبة الصين في بناء "مجتمع مستقبل مشترك مع الدول المجاورة، مستخدمًا مفاهيم مثل الصداقة، الشمول، المنفعة المتبادلة، وعدم التدخل، وهي مفاهيم تُمثل نقيضًا صريحًا للنموذج الغربي في العلاقات الدولية. لم يكن الخطاب محض مجاملة دبلوماسية، بل حمل رسالة سياسية واضحة: الصين لا تكتفي بدور شريك اقتصادي بل تسعى لقيادة إقليمية فكرية ونموذجية بديلة.

بنفس الوقت دعوة الرئيس شي جين بينغ إلى التمسك بـ"القيم الآسيوية" كان بمثابة إعلان سياسي غير مباشر بأن الصين ترفض الاحتكار الغربي لتعريف مفاهيم الأمن والدبلوماسية والتنمية.

من جهة أخرى يرى الخطاب أن العمل مع دول الجوار لا يقتصر على العلاقات الثنائية، بل هو "جبهة رئيسية للأمن القومي" وحلقة وصل حاسمة في الدبلوماسية الصينية. وهو ما يعكس استراتيجية احتواء الجبهات قبل المواجهة المباشرة مع القوى الغربية. تُوظف الصين مبادرة الحزام والطريق، ليس فقط كمشروع اقتصادي، بل كأداة لإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية، خاصة في آسيا الوسطى، جنوب شرق آسيا، وبحر الصين الجنوبي.

الخطاب الصيني أعاد التأكيد على أن المستقبل الاقتصادي للصين ليس مرهونًا بأسواق أمريكا، بل بالتكامل الإقليمي وتوسيع الشراكات في آسيا. وهو ما يشير إلى انتقال تدريجي في السياسة الصينية من "نمو مدفوع بالصادرات" إلى "تكامل إقليمي وتنمية داخلية".

كانت من أهم الرسائل الرسائل الخفية في الخطاب، إعادة تعريف مفهوم "الأمن القومي" ليشمل الأمن الإقليمي. لا ترى الصين الأمن من منظور عسكري تقليدي، بل تعتبر أن الازدهار الإقليمي، والثقة السياسية، والبنية التحتية المشتركة، هي كلها مكونات للأمن. و النموذج الأمني الآسيوي الذي طرحه الخطاب قائم على "تقاسم الأفراح والأتراح"، وهي عبارة تتحدى صراحةً نموذج الأحلاف.

إن خطاب الرئيس شي جين بينغ لم يكن مجرد كلمات دبلوماسية، بل كان خارطة طريق صينية لعالم جديد، يتميز بتراجع هيمنة الغرب، وصعود قوى إقليمية تحكمها المصالح المشتركة والتكامل، لا الصراع. وفي ظل التصعيد التجاري مع أمريكا، لا يبدو أن أحد الطرفين سيخرج منتصرًا بالكامل، لكن العالم ككل ربما يخرج بأفق جديد من التعددية والتحول البنيوي في التجارة والسياسة والأمن.

لم يكن خطاب الرئيس الصيني مجرد توصيات دبلوماسية، بل هو خارطة طريق استراتيجية لعالم جديد متعدد الأقطاب. في مقابل الخطاب الغربي القائم على الهيمنة والتحالفات العسكرية، تطرح الصين مشروعًا يقوم على الشراكة، التنوع، والاستقرار القائم على التنمية.

في النهاية، ربما لا يفوز أحد تمامًا، لكننا بلا شك نعيش بداية عصر جديد تعيد فيه القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين، رسم ملامح النظام العالمي بطريقة لا تشبه الأمس.

ليس كل مراكز القوى في واشنطن تتبنى نفس موقف الرئيس ترامب تجاه الصين؛ فهناك تيار يدعو لمواجهة شاملة، بينما تيار آخر يرى ضرورة الحوار لتجنب حرب باردة جديدة.

ترامب أحيانًا يتحرك بشكل فردي دون توافق مؤسسي، ما يؤدي إلى سياسات متخبطة وغير عقلانية.

مستقبل الاقتصادين الأمريكي والصيني بات الآن في قلب التحولات العالمية الكبرى، خاصة في ظل تخبط السياسة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب. و السؤال الأهم هو، من الرابح في المدى البعيد؟ تتحرك الصين بثبات نحو اقتصاد متماسك ومنفتح على محيطها الآسيوي، مما يعزز قدرتها على الصمود والتوسع دون الاعتماد على الأسواق الغربية.

من جهة اخر، تمتلك الولايات المتحدة أدوات القوة، لكنها تعاني من التآكل الداخلي والتخبط السياسي، خاصة إذا استمرت سياسات الرئيس ترامب أو تم استنساخها في المستقبل.

وبالتالي، الرابح الحقيقي ليس من يفرض رسومًا جمركية أعلى، بل من يمتلك خطة استراتيجية طويلة النفس، ويستثمر في الاستقرار الداخلي، ويعزز شبكة تحالفاته بدلًا من الدخول في حروب تجارية خاسرة. العالم اليوم يشهد تحولًا في موازين القوى الاقتصادية. وبينما تستثمر الصين في بناء نموذج إقليمي قائم على التنمية والتعاون، تتخبط الولايات المتحدة في قرارات مرتجلة تؤثر على صورتها كمركز للثقة الاقتصادية العالمية. ومع استمرار هذا الاتجاه، فإن العالم يتجه نحو تعددية اقتصادية جديدة، قد لا تكون مهيمنة بالكامل من الصين، لكنها بلا شك ستكون أقل اعتمادًا على أمريكا وأكثر توازنًا في النفوذ والتأثير.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :