معالي سامي الداوود .. هل هكذا تُورَد الإبل؟! ..
محمود الدباس - أبو الليث
14-04-2025 08:42 PM
اتصل بي أحد الأصدقاء صباح اليوم.. يدعوني لجلسةٍ أرادها في أحد المطاعم مع نفس أرجيلة.. قال إن لديه أمراً هاماً.. لا يصلح أن يُقال عبر الهاتف.. وأنه لا بد لي من حضوره.. فأخبرته أنني أتجهز ومتجه حالاً إلى البريد الأردني.. فما إن نطقتُ بهذه الجملة.. حتى ضحك باستهزاء.. وقال "هو ظل إشي اسمه البريد الأردني؟!"..
ضحكته تلك.. لم تكن فقط سخرية من مؤسسة حكومية.. بل كانت عنواناً لليأس.. الذي استوطن الناس تجاه تلك المؤسسة.. كما استوطنها العجز والترهّل.. كانت كلمات صديقي بمثابة دفعة خفية.. لا للتراجع عن الزيارة.. بل للذهاب فوراً.. فهذا ما اعتدناه في ملتقى النخبة-elite.. أن نقف على الحقيقة.. لا نصدق الإشاعات.. ولا نغمض أعيننا عن الواقع.. بل نذهب.. ونرى.. ونسمع..
دخلنا المؤسسة.. فاستقبلنا معالي الدكتور سامي الداوود.. رئيس مجلس الإدارة.. يرافقه عطوفة المدير العام.. الأستاذة هنادي الطيّب.. كان اللقاء مختلفاً.. لم نشعر أنه مجرد عرض تقديمي أمام ضيوف.. بل كان لقاءً مع مَن يعيش المؤسسة.. ويؤمن بها.. ويعرف كل زاوية فيها..
بدأت ملامح الدهشة تلوح على وجوه الحضور.. فهذه ليست مؤسسة البريد التي عرفناها.. تلك التي كانت تغرق في الديون.. وبالكاد تدفع رواتب موظفيها.. بلا خدمات ذات قيمة.. ولا حضور في الشارع الأردني.. مؤسسة أكلها الترهل.. وتراكم عليها الغبار.. حتى كاد الناس ينسون أنها لا تزال على قيد الحياة..
لكن ما حدث في عامين فقط.. كان بحجم معجزة إدارية.. ملايين الدنانير.. تم سدادها من مديونية كانت تشلّ حركتها.. توسعت لتغدو مؤسسة وطنية.. حاضرة في البادية والحضر.. في المراكز التجارية.. والمؤسسات الحكومية.. وتم افتتاح المئات من المراكز ونقاط البربد.. وأُعيد نبض الموجود للحياة.. ليصبح أكثر من 600 نقطة ومركز بريدي تعمل بكل حيوية.. والأهم من ذلك.. لم تعد مؤسسة البريد تنتظر المواطن ليدخلها.. بل خرجت إليه.. حملت على عاتقها عبء التسهيل.. فباتت تقدّم خدمات حكومية نيابة عن عشرات المؤسسات..
لم تتخلّ عن وظيفتها الأساسية.. بل طورتها.. وأطلقت بطاقات مالية مدفوعة مسبقاً بعملات متعددة.. جعلت حياة الطلبة الأردنيين في أوروبا وأمريكا.. وحتى في الداخل أسهل.. ووجد فيها السائح الأردني وسيلة ذكية لرحلاته.. اطلقت خدمة تحويل الأموال داخلياً.. وأطلقت شبكات تحويل خارجي إلى مصر كخطوة أولى.. وافتتحت مكاتب لها في أمريكا لخدمة المغتربين الأردنيين.. وكأن البريد الأردني يعلن عودته للحياة.. ولكن بحلّة جديدة.. تتنفس التكنولوجيا.. وتنافس الزمن..
كل هذه الإنجازات.. لم تكن على الورق.. بل على الأرض.. بأيدٍ أردنية.. وعقولٍ قررت ألا تركن لليأس.. بل تعيد تشكيل الحكاية من جديد.. وها هو البريد الأردني اليوم.. يحصد الجوائز العالمية.. كثاني أفضل خدمة أمان بريدي في العالم بعد كندا.. ويحصل على المركز الاول عالمياُ في مؤشرات الاداء.. فتُرفع لها القبعات..
ما فعله معالي الدكتور سامي الداوود.. لم يكن مجرد تطوير.. بل كان إحياءً.. إعادة روحٍ لمؤسسة كنا نحسبها ميتة.. فأصبحت مثالاً يُحتذى.. ودليلاً على أن الطاقات الأردنية لا ينقصها شيء.. سوى مَن يثق بها.. ويفك قيودها.. ويضع أصحاب الكفاءة في أماكن التأثير..
ولعلنا لا نُوفي هذه المؤسسة الوطنية حقها في مقالٍ واحد.. فقد أُطلقت عشرات الخدمات النوعية.. وتحققت إنجازات تتطلب مقالاً خاصاً لكل واحدةٍ منها.. ولكن ما شاهدناه وسمعناه.. يكفي لنشهد شهادة صدق.. بأن لا مستحيل.. إن توفرت الإرادة.. وأن المؤسسات لا تموت.. بل تُبعث حين تُمسكها أيدٍ تعرف الاتجاه..
وفي الختام.. نقول نعم.. بل ألف نعم.. هكذا تُورَد الإبل يا معالي الدكتور أبا كامل.. وهكذا يكون الربّان.. حين يُمسك دفة السفينة بثبات.. فيجعلها تشقّ عباب التحديات.. وتصل إلى برّ الأمان..
وشكراً خالصاً.. لكل العاملين في هذه المؤسسة الوطنية العريقة.. والسيادية.. من إدارةٍ عامةٍ واعيةٍ.. إلى أي موظف يعمل بِجِد..