استثمار الإنسان الأردني واحتضان التنوع لبناء اقتصاد متين
د. أميرة يوسف ظاهر
15-04-2025 12:01 AM
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأردن، من بطالة مرتفعة وفقر متنامٍ، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم التنمية الاقتصادية؛ إذ لم تعد الموارد الطبيعية وحدها قادرة على دفع عجلة النمو، بل بات الاستثمار في رأس المال البشري، وتفعيل التنوع المجتمعي، وتشجيع ريادة الأعمال الصغيرة، من أهم الأدوات القادرة على بناء اقتصاد أكثر عدالة واستدامة.
فالأردن يمتلك ثروة بشرية شابة، ومجتمعا متنوعا في خبراته ومهاراته موزعا على جغرافيا تمتاز بالتماسك والتكامل، ورغم ذلك لا يزال جزء كبير من هذه الطاقة معطلا، إما بسبب ضعف الفرص أو تعقيد الإجراءات أو غياب البيئة الحاضنة للمشاريع الصغيرة؛ وهذا ما يستدعي تحولا في التفكير الاقتصادي نحو سياسات تُمكّن الأفراد من إنتاج فرصهم بدلا من انتظارها.
تُظهر تجارب الدول الناجحة أن المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر قادرة على إحداث أثر مباشر في خفض نسب البطالة والفقر، لا سيما عندما تقترن بالدعم الإداري والتقني والتمويلي، ويكمن التحدي في تصميم برامج تمويل ذكية وسهلة الوصول مخصصة للشباب والنساء، خصوصا في المناطق خارج العاصمة مع التركيز على الريف والبادية والمخيمات.
كما أن تنمية القدرات البشرية من خلال التعليم المهني وبرامج التدريب وتطوير المهارات الرقمية، يجب أن تتحول من مبادرات موسمية إلى استراتيجية وطنية دائمة، مرتبطة بسوق العمل واحتياجاته الحقيقية، فكل دينار يُستثمر في تطوير المهارات هو استثمار في مستقبل أكثر أمانا واستقلالية اقتصادية للمواطن.
أما التنوع المجتمعي فهو أحد أعمدة القوة التي يجب استثمارها بذكاء، فالتنوع في الخلفيات والمهارات ووجهات النظر يخلق بيئة عمل غنية بالإبداع والمرونة؛ لهذا لا يمكن بناء اقتصاد شامل دون أن تكون النساء وذوو الإعاقة والشباب من مختلف المحافظات شركاء حقيقيين في صنع القرار والاستفادة من الفرص.
ومن هنا فإن بناء نظام اقتصادي عادل وشامل لا يقتصر على معالجة الفقر بالمعونات، بل يتطلب تمكين الفئات الأقل حظا من امتلاك أدوات الإنتاج والمنافسة. الأردن اليوم بحاجة إلى تعزيز شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتبني نماذج مبتكرة لاحتضان الأفكار الريادية الصغيرة، ودعمها حتى تنمو وتسهم فعليا في الناتج المحلي.
إن التنمية الاقتصادية في الأردن لن تتحقق بجهود مركزية فقط، بل بتوزيع الفرص على الجميع، وإعادة الاعتبار للإنسان كأصل اقتصادي، وليس مجرد مستهلك للسياسات. الاستثمار في العقل الأردني والطموح الأردني هو الضمانة الحقيقية لمستقبل يليق بهذا الوطن.