في السادس عشر من نيسان لا نحتفي فقط بعلم يرفرف في السماء بل نحتفي برمز يسكننا نحتفل بحكاية وطن كُتبت بصدق وبقيت تُروى كل يوم لا بالحبر بل بالمواقف والولاء والعمل.
علم بلادي ليس مجرد ألوان بل هو شيفرة وجدانية لا تحتاج إلى شرح نراه فنفهم نرفعه فنشعر أننا نرتفع معه نلمحه في الزحام فنطمئن ليس لأنه قطعة قماش بل لأنه ظل الفكرة وامتداد الهوية وخلاصة الرحلة الطويلة التي عبرها الأردنيون جيلًا بعد جيل تحت راية هاشمية حملت الأمانة بصدق ورفعتها بثبات.
منذ تأسيس الدولة لم تكن الراية شعارًا فحسب بل كانت عهدًا بين القيادة والشعب عهدًا بأن يبقى الوطن حاضرًا في القلب وأن تبقى الكرامة عنوانًا للجميع لذلك حين نحتفل بيوم العلم فإننا نحتفل أيضًا بالقيم التي غُرست فينا في ظل الراية الهاشمية قيم النبل والتسامح والثبات والعدل والعمل.
نحن لا نحب علمنا لأنه يميزنا عن غيرنا بل نحبه لأنه يشبهنا في صمته في قوته في صموده في قدرته على أن يكون حاضرًا في كل لحظة دون أن يتكلم نراه في دفتر طفل في يد جندي في زينة عيد وفي قلب أم تنشره على سرير شهيدها.
ونراه أيضًا في أكثر اللحظات صدقًا في قبلة النشامى على الراية بعد الفوز لا أحد يلقنهم هذا لا أحد يطلبه لكنه يخرج عفويًا لأن العلم بالنسبة لهم ليس رمزًا للنصر بل سببًا له يقبلونه كما يُقبل الابن يد أمه أو الجندي تراب وطنه.
ونراه في الطرف الآخر من الصورة راية وحيدة معلقة على بيت متآكل في قرية نائية لا كاميرا ترصده ولا ضوء يُسلط عليه لكن العلم هناك مرفوع باعتناء كأن صاحب البيت أراد أن يقول للعالم نحن هنا ولسنا على الهامش ففي ظل هذا العلم كل بيت هو مركز الوطن.
ولأن هذا الوطن لا يعرف إلا راية واحدة فلا شيء يرفرف في سمائه سواها.
هي السماء ذاتها التي عبرتها الأحلام والحكايات والدماء وظلت تحرسها هذه الراية بلا منافس وبلا غياب.
وإذا كان للعلم نشيد يرافقه فإن "خافق في المعالي والمنى" لم يكن مجرد كلمات نرددها في الطابور الصباحي بل كان أول درس في الحب الصادق للأرض.
كنا نردده ونحن أطفال بأصوات مرتجفة وأحلام صغيرة دون أن ندرك تمامًا المعاني التي نحملها لكننا كبرنا وكبرت معنا تلك الكلمات فتحولت من نشيد إلى وجدان ومن لحن إلى انتماء.
لا يزال صداها حيًا في الذاكرة حين تقف المدرسة كلها وقفة واحدة وترتفع الأصوات في تناغم لا يصنعه التدريب بل تصنعه القلوب.
"عربي الظلال والسنا" لم تكن جملة بل هوية
و"خافق في المعالي والعلا" لم تكن مجازًا بل واقعًا نراه كل يوم في ظل الراية الهاشمية التي لم تنحن يومًا.
ذلك النشيد لم يُغنَ فقط للعلم بل غُني لنا لنحفظ مكاننا تحته ونفهم أن هذا الرمز ليس من طقوس المدرسة بل من طقوس الحب الأولى.
حمى الله وطنًا سكن فينا
وكل عام وعلم بلادي زاهيًا أهيبًا في سمائنا وفي قلوبنا
نحمله معنا في الفرح والصبر وفي كل خطوة إلى الأمام
ونسأل الله أن يحفظ الأردن عاليًا آمنًا
وأن يديم الخير على أرضه
والحكمة في قيادته
والمهابة في رايته الهاشمية التي جمعتنا وظلت تظلّنا بعز وعدل ووفاء.