ما الذي يحدث .. حين تُبدَل الخيول وهي تركض؟
محمود الدباس - أبو الليث
19-04-2025 10:56 AM
ذلك ليس سؤالاً عن الفروسية.. بل عن الحماقة المتخفية بثياب القرار.. عن اللحظة التي يُظَن فيها.. أن التحكم بالمقود.. يكفي لبقاء العجلة على الطريق.. وأن مَن يركض منذ البداية.. يمكن استبداله في منتصف السباق دون خسائر..
لكن الخيول ليست مجرد أرجل قوية.. إنها ذاكرة الطريق.. وإيقاع المعركة.. ورفقة العرق مع الزمن.. وكم من فارسٍ خسر الجولة.. لأنه قرر التبديل وهو على القمة.. لا في لحظة الانكسار..
في سوقٍ لا يرحم التراجع.. ولا يغفر التردد.. يصبح الاستحواذ حلاً لا مفرّ منه.. ليس من باب الإلغاء.. أو الإقصاء.. بل من باب التمدد الذكي.. فمَن يُقدِم على شراء شركة ناجحة.. لا يغامر فقط برأس المال.. بل يضع يده في نارٍ لا تطفئها إلا الحكمة.. ويدرك بأن نجاح المستحوَذ عليه.. ليس وليد صدفة.. بل نتاج عقلٍ.. وقيادةٍ وفريق..
ولذلك.. فإن أول ما تفعله الشركات العاقلة بعد عملية الاستحواذ.. هو أن تُبقي على إدارة الشركة كما هي.. تُشرف من بعيد.. تراقب من فوق.. دون أن تعبث بجينات النجاح.. فتستمر العجلة بالدوران.. بل وتتسارع.. لأن الدماء التي اعتادت الركض في العروق.. لم تُبدّل..
وهذا المشهد.. لا يختلف كثيراً عن مشهد الفتوحات الإسلامية.. تلك التي لم تعرف طعم الاستعمار بمعناه الكولونيالي.. بل جاءت بفكرة السيادة دون سحق.. والهيمنة دون محوّ.. فتركت لأهل البلاد لغتهم.. وأدوارهم.. وأسواقهم.. وأشرافهم.. لتشرف من بعيد.. وتربط الأرض بالسماء عبر ميزان جديد من العدالة..
لم تهدم حضاراتٍ ولا لغات.. بل احتضنت ما فيها من جمال.. وأضافت إليها من روحها.. فكانت النتيجة.. مدناً تزدهر لا تنطفئ.. ومدارسَ تنتج علماً لا يموت.. وخليطاً ثقافياً ما زالت الدنيا تتفيأ ظلاله حتى اليوم..
أما حين يكون الاستحواذ عباءةً تخفي نية الإلغاء والاحلال.. فإن الفشل يرافقه.. كما يرافق الظلّ الجسد.. سواء أكان استحواذ شركةٍ تريد أن تمسح تاريخ ما قبلها.. فتُقصي الإدارة.. وتزرع وجوهاً لا تفهم الأرض التي تسير فوقها.. أم كان احتلالاً يحمل سيفاً لا كتاباً.. ويهدم قبل أن يفهم..
هنا نجد أن العجلة لا تدور.. بل تغوص في الرمال.. وتبقى الدولة.. أو الشركة المستحوِذة تصارع الزمن.. وتغرق في فواتير لا نهاية لها.. لأنها ظنت.. أن السيطرة تعني الاستبدال.. وأن الهيمنة لا تكتمل إلا بإلغاء الآخر..
الحقيقة تقول.. إن أعظم ما يمكن أن يفعله العاقل بعد استحواذٍ ناجح.. هو أن يصمت قليلاً.. ويستمع كثيراً.. ويراقب أكثر.. ويمنح من سبقوه فرصة أن يُكملوا ما بدأوه.. لأن الثراء.. لا يكون فقط في المال.. بل في العقول التي صنعت النجاح..
وكما لم ينجح مستعمرٌ ألغى هوية الشعوب.. لا ينجح مديرٌ أراد أن يُغيّر قواعد لعبةٍ لم يفهمها بعد..
ففي كل استحواذٍ ناجح.. هناك سرّ واحد فقط.. ألّا تغيّر جواداً رابحاً..