أتحبّون الأردن؟! .. أم تمارسون عليه طقوس الهدم الناعم؟
محمود الدباس - أبو الليث
20-04-2025 04:33 PM
في زاوية من زوايا هذا الكون المترامي.. ووسط صخب العالم وتقلباته.. يقف الأردن كعذراء تزينت بفسيفساءٍ من دماء العشق والانتماء.. كل قطعة في هذه اللوحة.. تحكي سيرة عاشق لهذا الحمى.. وكل لون فيها.. يروي قصة انصهار لا يعرف التفريق بين ابن الشرق وابن الغرب.. بين مَن تسلق جباله ذات حلم.. ومَن زرع سهوله ذات أمل.. بين مَن أتى مستظلاً بأمنه.. وبين مَن نبت في أرضه.. وتربى على وهج شمسه..
هنا لا تسأل عن الدين.. فالمآذن لا تغار من الأجراس.. وهنا لا تسأل عن الأصل.. فالنسب اختلط كما تختلط قطرات المطر في جدول واحد.. اللهجة امتزجت.. والهمّ توحد.. والهدف تشكّل بملامح لا تخطئها عين المحب.. هذا هو الأردن.. لا يُرسَم.. بل يُحَس.. لا يُشرَح.. بل يُعاش..
ولكن.. والندبة في القلب لا في القول.. بعضهم يطعن هذه اللوحة بسكين الجهل.. أو غبار الحقد.. بعضهم يحاول اقتلاع حجر من مكانه.. ليبني لنفسه مجداً زائفاً على أنقاض الفتنة.. ولا يعلم.. أن اللوحة إن انكسرت -لا قدر الله- فإن الكسر سيصيبنا جميعاً.. حتى أولئك الذين فرحوا بالشرخ.. سيبكونه لاحقاً..
العرش.. القوات المسلحة.. والقضاء.. ليست شعارات تعلّق على الجدران.. بل هي أعمدة هذا البيت الكبير.. هي الظل في وقت الشمس.. والدثار في صقيع الأيام.. من يعبث بها.. كمن يحاول هدم السقف على رؤوس أهله.. ومن يلمزها.. أو يشكك في نزاهتها.. كمن يحاول أن يقطع الحبل الذي يتدلى منه على هاوية..
وما يؤلم القلب.. أن من بيننا مَن يحلف بها صباحاً.. ثم يشكك بها مساءً.. يكتب في المجالس كلاماً منمقاً.. ثم يهمس في الزوايا سماً زعافاً.. وكأن لسانه لا يشبه قلبه.. أو أن قلبه لا يسكن صدره أصلاً..
وآخرون.. يظنون أن إشعال النار في زاويةٍ ما من هذا الوطن.. لن يُحرق إلا تلك الزاوية.. لا يدركون أن الفسيفساء.. إن تساقطت منها قطعة.. فستتهاوى الأخريات حزناً وانكساراً.. لأن الجمال في اكتمالها.. والبهاء في تماسكها..
فيا مَن تعبقون بالغيرة على هذا الحمى.. لا تتركوا المشككين يعبثون بثقة الناس.. لا تسمحوا للتأويلات أن تستبيح الحقيقة.. ولا تجعلوا من الخلاف بوابة لتشويه الأصل..
الأردن ليس جغرافيا فقط.. بل جغرافيا القلب والذاكرة.. هو الحلم الذي أورق في صدورنا.. هو القصيدة التي نحفظها دون أن نسمعها.. فكيف ترضون أن يتحول هذا اللحن الشجيّ.. إلى نشاز بفعل مَن لا يعرف عزف الحياة؟!..
رفقاً بهذه الفسيفساء.. لا تكسروها من أجل رأيٍ عابر.. أو مقعدٍ في برنامج تلفزيوني..أو وهم بطولةٍ في عمود جريدةٍ.. أو موقعٍ اخباري..
رفقاً بهذا العرش الذي لم يسفك دماً.. بل احتضن الأرواح.. وبقواتنا المسلحة.. التي لا تنام.. إلا لتصحو وتحيا أنت.. وبهذا القضاء.. الذي ما خان.. إلا في عيون مَن اعتادوا خيانة الحقيقة..
الأردن ليس مجرد وطن.. إنه وجدان.. ومَن يحاول العبث بوجدانه.. فإنما يعبث بقدسية لا تغتفر..
فليكتب التاريخ.. أن هذا الوطن لا ينهار.. ما دام أبناؤه يعرفون قيمته.. وأن اللوحة لن تُشوّه.. ما دام فينا قلب ينبض بحب الأردن..