facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أيها الصادق .. ماذا لو كنت تكذب؟!


محمود الدباس - أبو الليث
21-04-2025 06:01 PM

خرج من محطة الوقود.. ويده تكاد تمتد لحزام الأمان كي يعيده لبسه.. لكن يد رجل السير سبقته بالإشارة.. الوقوف جانباً.. تنهد وهو يرى في عيني رجل المرور ذلك السؤال الصامت.. لماذا لا تضع الحزام؟!.. كان يعلم أن الجواب مهما كان.. لن يغير ما رآه الشرطي بأم عينه.. فأنت بلا حزام.. والنية؟!.. تبقى حبيسة صدرك.. حتى لو انك معتاد وضع الحزام..

ليس الأمر متعلقاً بالحزام وحده.. بل بميزان أكبر.. نُحاسب فيه على ما يُرى.. لا على ما نُخفيه.. فهل نحاسب الناس على نواياهم؟!.. أم على أفعالهم؟!.. وهل النية الطيبة.. تبرر الخطأ إن وقع؟!..

رجل المرور ليس عرافاً.. ولا يحمل في جيبه ميزان الأنبياء.. هو يُسير القانون.. لا يُفسّره.. فلو صدقك في كل مرة قلت فيها "كنت أنوي".. لما بقيت هناك أنظمة ولا قوانين.. ولا بقي للردع أي معنى..

نحن نعيش بين طيات نوايانا.. نجمّلها لأنفسنا.. نمنحها بريق الطهر والنُبل.. لكن العالم.. لا يرى سوى ما نفعل.. ولا يحاسبنا إلا عليه.. فالنية إن لم تُترجم إلى سلوك واضح.. تبقى رغبة معلقة في الهواء.. لا تطفئ حريقاً.. ولا تمنع اصطداماً.. ولا توقف طلقة..

كم من شخص فعل ما لا يُغتفر.. ثم وقف يقول "لم أكن أقصد".. وكم من كارثة بدأت بـ"كنا نحاول المساعدة".. فهل نغفر نتائج أفعالهم لأجل حسن نواياهم التي قد تكون مزعومة؟!.. ومن يضمن أنها نوايا صادقة؟!..

القوانين وجدت.. لتكون حَكماً عادلاً بين ما نقوله.. وما نفعله.. لا يمكن أن نبني مجتمعا آمناً.. على قاعدة "حسن الظن المطلق".. لأن بعضهم يُتقن التمثيل.. وبعضهم يُحسن الكذب.. وبعضهم يُلبس النية الطاهرة قناعاً.. يخفي به نواياه الحقيقية..

ورجال الأمن.. ليسوا خصوماً.. بل صمام أمان.. يتعاملون مع الحقيقة كما يراها الواقع.. لا كما تُرسم في خيالنا.. فلو سمحوا لأنفسهم بالحكم على النوايا.. لأصبحت أبواب الفوضى مشرعة لكل متحايل ومخادع..

وقد يقول قائل.. "ولكني فعلاً صادق".. وقد يكون.. لكن الصدق لا يُثبت بالكلمات.. بل بالأفعال.. فالقضاء هو الوحيد المخوّل بوزن هذه النوايا في ميزان العدالة.. وهو الذي ينظر في ما وراء الظاهر.. فيفصل بين من أخطأ بحسن نية.. ومن ادّعى ذلك للهروب من العقاب..

ما نحتاجه اليوم.. هو وعي جمعي.. بأننا مسؤولون عن كل لحظة نتجاوز فيها القانون.. حتى لو كان تجاوزاً لحظياً.. وحتى لو تذرعنا بأننا "كنا على وشك الالتزام".. لأن الأخطاء الصغيرة.. قد تفتح أبواباً لكوارث لا تعترف بحسن النية..

ليس كل من قال "كنت أنوي".. يستحق أن يُصدق.. فالعالم مليء بمن يزينون نواياهم أمام الناس.. ليبرروا بها ما لا يُبرر.. وكم من نية حسنة.. أُسيء تنفيذها فجرّت الويلات..

العبرة ليست في الحزام.. بل في الفكرة كلها.. نحن نعيش في منظومة تحكمها الأفعال لا الأقوال.. والنيات مكانها في القلوب.. ولكن حين تخرج الأفعال للعلن.. فإن النية وحدها لا تُبرّئ أحداً..

النية لا تعني البراءة.. ولا تُنقذ من الخطأ.. والصدق لا يُكافَأ عليه إذا اقترن بتقصير.. لذلك لا تعوّل كثيراً على ما تنويه.. وابدأ بإصلاح ما تفعله..

فالعالم لا يحاسبك على ما في قلبك.. بل على ما بين يديك..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :