ضبط منظومة القيم وأثرها في تعزيز الاستقرار المجتمعي والنمو
د. أميرة يوسف ظاهر
22-04-2025 01:00 AM
في عالم يشهد تحولات سريعة على جميع الأصعدة، تواجه القيم الأخلاقية التقليدية التي شكّلت نسيج المجتمع الأردني العديد من التحديات، ففي ظل الانفتاح التكنولوجي، وتغير أنماط التربية، وتراجع دور بعض المرجعيات التربوية، بدأنا نلاحظ تراجعا في بعض السلوكيات الإيجابية، خاصة بين فئة اليافعين وطلبة المدارس والجامعات، وكذلك في القطاعات المهنية المختلفة. هذه التحولات تتطلب منا وقفة جادة لإعادة الاعتبار لمنظومة القيم، وربطها بالسلوك السوي، لضمان بناء مجتمع آمن ومستقر ومنتج.
إن ترسيخ القيم النبيلة مثل الصدق والاحترام والإيثار والانتماء والانضباط لا يعد مجرد خيار تربوي أو أخلاقي، بل هو أساس في بناء المشروع الوطني الأردني. فالإنسان الذي يتحلى بهذه القيم هو القادر على الحفاظ على السلم المجتمعي، ومواجهة التحديات الكبرى التي تهدد الاستقرار، مثل: المخدرات والأفكار المتطرفة والتنظيمات الخارجة عن القانون.
إن غياب القيم لا يهدد فقط الانضباط الاجتماعي، بل يؤدي أيضا إلى تحميل الدولة والمجتمع أعباء اقتصادية وأمنية كبيرة. إذ تستنفد الطاقات والموارد في مواجهة آثار الانحراف الأخلاقي من خلال مؤسسات الإصلاح والسجون وبرامج الدعم الاجتماعي، بينما كان من الممكن توظيف هذه الموارد في بناء الإنسان الإيجابي، وتعزيز التعليم، وتمكين الشباب، والحد من البطالة والفقر.
فالسلوك السوي لا يتشكل بشكل تلقائي؛ بل هو ثمرة منظومة متكاملة من الجهات المؤثرة على الفرد، بدءا من الأسرة وصولا إلى المدرسة والمسجد والإعلام والعشيرة ومؤسسات الدولة. ونجاح هذه المنظومة يعتمد على تكامل الجهود، وعلى المسؤولية المشتركة والإرادة الوطنية، بعيدا عن اللوم والتقصير، وقريبا من تعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته.
النجاح في تعزيز القيم والسلوك القويم يعود بثمار كبيرة على الاستقرار المجتمعي. فهو لا يقتصر على البعد الأخلاقي فقط بل يسهم في الاستقرار الاقتصادي، وتحسين جودة التعليم، وزيادة مؤشرات الأمن العام؛ فالمجتمع المتماسك قيميا هو مجتمع أكثر قدرة على الابتكار، وأقل عرضة للجريمة، وأقرب إلى النهضة الشاملة.
والقيم الداخلية للفرد لا تقتصر على الالتزام الأخلاقي، بل تغني عن الرقابة الصارمة وتعزز من الانضباط الذاتي؛ مما يقلل من الحاجة إلى التدخل الأمني المباشر، وهذا يسهم في تحقيق مفهوم "الأمن الناعم"، الذي يعزز الثقة بين المواطن ورجل الأمن، ويسهم في ترسيخ قيمة القانون كحارس أخلاقي مشترك.
ومن أسمى صور الانتماء أن نرى الطفل يحافظ على نظافة شارعه، والطالب يعتني بمرافق مدرسته، والشاب يحرص على ممتلكات وطنه، والمواطن يدافع عن بيئته وكأنها بيته. هكذا تبنى المجتمعات من الداخل، وتتحول القيم من شعارات إلى أفعال، ومن توجيهات إلى عادات يومية.
أصبح من الضروري أن نتكاتف جميعا إعلاميين ومربين ومشرعين، وأهل الفكر والدين والثقافة لوضع إطار وطني يعلي من شأن القيم ويعزز السلم المجتمعي كغاية أساسية. نحتاج إلى "مدونة سلوك" وطنية، تكون بمثابة وثيقة أخلاقية تحفظ التماسك المجتمعي، وتعيد تشكيل الضمير الجمعي بروح الانتماء والمسؤولية.
الوطن الذي نحلم به يبدأ من داخلنا. وعندما تنهض القيم، ينهض الإنسان وينهض الوطن.