الأردن لا يُختصر في تيار .. بل يتسع للجميع تحت مظلة القانون
د. أميرة يوسف ظاهر
24-04-2025 12:46 AM
في خضم التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها الساحة الأردنية، جاء قرار حل جماعة الإخوان المسلمين وتجميد أنشطتها ومقراتها، ليشكّل منعطفا حساسا في علاقة الدولة مع تيار سياسي ظل حاضرا في المشهد العام لعقود طويلة. وفي مثل هذه اللحظات يكون من الأهمية بمكان أن يصغى لصوت الحكمة والعقل، بعيدا عن التهويل أو التهوين، وأن يقرأ الموقف من زاويته الوطنية الأشمل، لا من تفاصيله الإجرائية فقط.
الأردن، هذا الوطن الصغير بحجمه الكبير بتاريخه ورسالته، لا يحتمل مزيدا من الانقسام أو الاستقطاب. فما يجمعنا كأردنيين أكبر بكثير مما يفرقنا، وميثاقنا الاجتماعي والسياسي يقوم على التعدد والاعتدال والالتزام بالقانون، لا على الإقصاء أو الاحتكار. ومن هنا فإن القرار القضائي بحل الجماعة يجب أن يفهم ضمن سياقه القانوني والتنظيمي، لا باعتباره موجها ضد تيار أو فكر بعينه، بل في إطار دولة تسعى لترتيب بيتها الداخلي، وتحقيق الانسجام بين الحراك السياسي ومحددات الدولة المدنية القائمة على الدستور وسيادة القانون.
إذ لا يمكن اختزال الدولة الأردنية في علاقة مع حزب أو جماعة، ولا يمكن لمشروع أو فكر أن يختزل وطنا بأكمله، فالوطن يتسع للجميع ما دام السقف هو الدستور، والمبدأ هو القانون، والغاية هي خدمة الصالح العام، وإن اختلاف وجهات النظر لا يعني بالضرورة تهديدا للوحدة، بل قد يكون وقودا للنضج السياسي والتقدم إن وجّه بالحكمة والالتزام.
الاستقرار الذي ينعم به الأردن لم يكن يوما منحة، بل ثمرة تراكم وعي جماعي وتوازن سياسي، وقيادة لطالما راهنت على الحكمة لا على القوة، وعلى الشراكة لا على المغالبة.
واليوم وبينما نواجه تحديات اقتصادية ضاغطة، وظروفا إقليمية شديدة التعقيد، فإن ما نحتاجه ليس مزيدا من التشظي أو التجييش، بل مزيدا من التماسك الوطني والاصطفاف خلف الثوابت.
فالدولة الأردنية ليست خصما لأحد، لكنها مسؤولة عن حماية الكيان الوطني من أي انفلات أو تجاوز، وعن ضبط الإيقاع السياسي بما يحقق المصلحة العامة ويحفظ الاستقرار. في المقابل فإن على الأحزاب والتيارات السياسية أن تعي أن العمل العام لا يدار بالعواطف ولا بالعنتريات، بل بالرؤية والمسؤولية والالتزام بمعايير الشفافية والوضوح والانضباط.
إن اللحمة الوطنية ليست شعارا نرفعه وقت الأزمات، بل خيار استراتيجي يحمينا من التآكل الداخلي ويبني فينا الثقة، ويمنحنا القدرة على التصدي للتحديات الخارجية بثبات وعزيمة. فلا وطن دون تنوع، ولا استقرار دون عدالة، ولا مستقبل دون وحدة، وهذه المعادلة لا تصنعها الخطابات ولا البيانات، بل تصنعها إرادة صادقة وإدارة متزنة.
وفي لحظة كهذه ما أحوجنا إلى أن نرتقي بخطابنا، وأن نحكّم لغة التعقل لا الانفعال، وأن نجعل من القانون مرجعا لا أداة صراع، ومن الدولة مظلةً لا طرفا في نزاع. الأردن أكبر من أن يختزل في جماعة أو حزب، وهو بحاجة إلى أبنائه جميعا؛ إلى وعيهم وإلى التزامهم وإلى حكمتهم.
فلنختلف كما يشاء الفكر، ولكن لنتوحد كما يفرض الوطن.