facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي


د. محمد خالد العزام
26-04-2025 10:51 AM

* تحديات الهوية وإشراقات المستقبل

في زمنٍ تتدافع فيه الحروف بين أصابع البشر وأنامل الآلة، تقف الترجمة على حافة تحولٍ وجودي. لم تعد مجرد جسرٍ بين لغتين، بل أصبحت ساحة معركةٍ خفية بين الذكاء الإنساني والذكاء الاصطناعي، بين دفء المشاعر وبرودة الخوارزميات. هنا، حيث تتصارع الروح البشرية مع الآلة الصماء، تبرز أسئلةٌ مصيرية: هل ستظل الترجمة فنّاً إنسانياً خالصاً؟ أم أن المستقبل يحمل في طياته انزياحاً جذرياً عن كل ما عهدناه؟

في هذا العصر الرقمي المتسارع، لم تعد الكلمات مجرد رموزٍ تُنقل، بل أصبحت بياناتٍ تُحلل، وأنماطاً تُحاكى. لكن هل تستطيع الآلة أن تلتقط نبضَ القلب خلف السطور؟ أن تفهمَ ما يُقال بصمتٍ أبلغ من الكلام؟ أن تترجمَ العشق في قصيدة، أو الألم في حكاية؟

إنها معركةٌ وجودية بين الإنسان والآلة، بين الأصالة والاصطناع، بين الهوية والذوبان. ففي حين تقدم التقنية حلولاً سريعةً ودقيقة، تظل الترجمة الحقيقية تحتاج إلى أكثر من مجرد نقلٍ آلي - تحتاج إلى روحٍ تتنفس بين السطور، وقلبٍ ينبض بالمعنى، وعقلٍ يفسر ما لا يُقال.

فالترجمة، في نهاية المطاف، ليست مجرد نقلٍ للكلمات، بل هي نقلٌ للأرواح. فهل ستظل هذه الأرواح إنسانية خالصة؟ أم أننا على أعتاب عصرٍ جديدٍ تُكتب فيه الثقافات بلغةٍ هجينة، تجمع بين إبداع البشر ودقة الآلة؟

على مدار يومين، احتضنت أبوظبي مؤتمر الترجمة الدولي الخامس، الذي نظمه الأرشيف والمكتبة الوطنية تحت شعار "الترجمة في سياقات جديدة في عهد الذكاء الاصطناعي: التحديات التقنية والتطلعات المستقبلية". لم يكن هذا الشعار مجرد عنوان عابر، بل كان تعبيراً صادقاً عن لحظة فارقة تشهدها مهنة الترجمة، حيث تقف على أعتاب تحولات جذرية تفرضها الثورة الرقمية، وتعيد تعريف دور المترجم في عصر لم تعد فيه اللغة حكراً على الإنسان، بل أصبحت ساحة تنافس بين الإبداع البشري والبراعة الآلية.

لم يكن اختيار أبوظبي مكاناً لانعقاد هذا المؤتمر مصادفة، فهي ليست فقط عاصمة للثقافة والفكر، بل أيضاً نموذجاً حياً لانصهار الأصالة مع الحداثة. ففي ظل رؤية قيادة إماراتية حكيمة، تؤمن بأن المستقبل لا يُبنى إلا بالاستثمار في الإنسان والمعرفة، أصبحت الترجمة جسراً يربط بين الحضارات، وأداة استراتيجية لتعزيز الحوار بين الثقافات في عالم يتسارع نحو الرقمنة.

لطالما كانت الإمارات سبّاقة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، ليس كأداة تقنية فحسب، بل كرافعة للتنمية الشاملة. وقد تجلى ذلك في سياساتها الوطنية الطموحة، التي حوّلت الذكاء الاصطناعي من مفهوم نظري إلى واقع ملموس في قطاعات متنوعة، بما فيها الترجمة، التي تشهد اليوم طفرة غير مسبوقة بفضل النماذج اللغوية المتطورة والأدوات الذكية. لكن هذه الطفرة تطرح أسئلة مصيرية: هل ستظل الترجمة عملاً إنسانياً بحتاً؟ أم أن الآلة ستزيح المترجم من موقعه التقليدي؟

هذه التساؤلات كانت محور نقاشات مستفيضة خلال المؤتمر، الذي جمع نخبة من الخبراء والأكاديميين من حول العالم. فمن خلال جلسات علمية معمقة، تم استعراض تأثير الذكاء الاصطناعي على الترجمة التحريرية والشفوية، ومدى قدرته على خدمة أصحاب الهمم، أو حتى ترجمة اللهجات المحلية دون أن تفقد روحها الثقافية. لكن الأهم من ذلك كله كان السؤال الجوهري: ما هو مستقبل المترجم في ظل هذه التحولات؟

في كلمة افتتاحية لافتة، طرح الدكتور رضوان السيد، عميد الدراسات العليا في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، تساؤلاً استفزازياً: "الذكاء الاصطناعي والترجمة: هل ينتهي دور المترجم أم يبدأ عصرٌ جديد؟". واستند في إجابته إلى تجارب عملية، حيث أقرّ بأن الذكاء الاصطناعي قد حقق تقدماً مذهلاً في ترجمة النصوص الفكرية والسياسية، لكنه لا يزال عاجزاً عن مجاراة المترجم البشري في المجالات الأدبية والاجتماعية، التي تتطلب فهماً دقيقاً للسياق الثقافي والإيحاءات العاطفية. وخلص إلى أن المستقبل لن يشهد اختفاء المترجم، بل تحولاً في أدواره، ليصبح مهندساً للمعنى ومراقباً لجودة النصوص التي تنتجها الآلة.

وقد اتفق العديد من المشاركين على أن الذكاء الاصطناعي، رغم دقته وسرعته، يظل عاجزاً عن استيعاب المشاعر الإنسانية، أو تفسير ما يُقال بين السطور، أو فهم الانزياحات الثقافية التي تشكل جوهر التواصل. فالتقنية قد تنقل الكلمات، لكنها لا تستطيع أن تنقل المشاعر، ولا أن تترجم الصمت الذي يحمل أحياناً أكثر من الكلام.

هنا يبرز التحدي الأكبر: كيف نحافظ على البعد الإنساني في الترجمة دون أن نقف في وجه التقدم التقني؟ الإجابة تكمن في التوازن. فالمترجم المستقبلي لن يكون مجرد ناقل للنصوص، بل حارساً للهوية، ووسيطاً ثقافياً يضمن ألا تذوب الخصوصيات في بحر العولمة الرقمية. وهو نفس الدور الذي يجب أن تلعبه السياسات والمؤسسات، بتشجيع توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة، لا كبديل للإنسان.

في النهاية، يبقى السؤال الأعمق: هل يمكن للآلة أن تمتلك ضميراً؟ ربما لا. ولذلك، فمهما بلغت براعة الذكاء الاصطناعي، سيظل المترجم الإنسان هو القادر على صون الروح الكامنة خلف الحروف، وصياغة جسور التفاهم التي لا تقوم على المعنى فحسب، بل على الإحساس المشترك بإنسانيتنا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :