سردية وطنية في زمن الغموض بين الروابدة وأبو رمان
السفير الدكتور موفق العجلوني
28-04-2025 10:21 AM
أطل علينا معالي الدكتور محمد أبو رمان في قراءة فكرية سياسية لكلمة دولة الرئيس عبد الرؤوف الروابدة أبو عصام في منتدى الحموري منشورة في كل من صحيفة الدستور الغراء و وكالة عمون الغراء هذا اليوم ، تمحورت حول إعادة بناء السردية الوطنية الأردنية في ظل تحولات إقليمية خطيرة، دون الغوص المباشر في الأوضاع السياسية الراهنة.
حيث ركّز دولة أبو عصام كما عودنا دائماً – بحكمة الكبار – على القيم والمفاهيم الكبرى التي تصوغ هوية الدولة الأردنية، مستعيدًا التاريخ الأردني كإطار لفهم الحاضر واستشراف المستقبل. من خلال المحاور الرئيسة التالية:
الدولة الأردنية كنشأة ورسالة ودور:
-استعرض جذور الدولة في التاريخ العربي الإسلامي، وصولًا إلى الثورة العربية الكبرى، فدور الأمير عبد الله المؤسس.
-ركز على ربط النشأة السياسية للدولة بمشروع قومي تحرّري لا فقط سياسي إداري.
غياب السردية الوطنية الجامعة:
-الروابدة لم يكرر ما يُدرّس بل أعاد تفسير الرواية بطريقة تتجاوز التوثيق إلى فلسفة التاريخ.
-المشكلة ليست نقص التأريخ، بل غياب السردية الشاملة التي تنسج الوعي الجمعي.
قضية الهوية الوطنية والوحدة:
-دعا إلى تكامل مفاهيم الهوية الوطنية مع العروبة والقضية الفلسطينية، بعيدًا عن خطاب المظلومية أو القوقعة.
-ركّز على المواطنة كأساس وطني وقومي غير قابل للتجزئة أو التسييس المصلحي.
دعوة لإصلاح ثقافي مؤسسي:
-شدد أبو رمان في مقاله على ضرورة تحويل الجهد التاريخي والفكري من مبادرات فردية إلى مشروع وطني ترعاه الدولة.
-نادى بإشراك النخب الأكاديمية والسياسية في صياغة سردية وطنية جديدة، قائمة على الموضوعية لا التزوير أو التجميل. معتمدًا على سردية تاريخية تربط الماضي بالحاضر برؤية ناضجة.
في استعراض لحديث معالي الدكتور أبو رمان، كان تحليلاً في منتهى الذكاء حيث ميّز بين السردية الوطنية كمشروع وطني، وبين التأريخ كمجرد تسجيل للأحداث. وسلط الضوء على غياب فلسفة وطنية موحدة، وهو طرح نادر في المقالات السياسية التي تعودنا على قراءتها.
حقيقة فقد قدم الدكتور أبو رمان شهادة فكرية بحق دولة أبو عصام أبرز فيها الدور التاريخي والرمزي للرجل في صناعة وقراءة السردية الأردنية. و ما تناوله لم يكن مكررًا كما ذهب البعض ، بل تأسيسيًا يضع أساسًا لمفهوم "المواطنة القومية" في وجه خطاب التفتيت والهويات الضيقة.
حقيقة ليس جديداً على دولة أبو عصام هذا الطرح الوطني الشامل، بل هو واحد من أبرز السياسيين الأردنيين الذين اشتغلوا على تعزيز الهوية الوطنية الجامعة وربطها بالقيم العروبية والواقعية السياسية:
دولة الروابدة في أكثر من لقاء ، خاصة في مجلس الأعيان ، وخلال مقابلات إعلامية شدد على أن الهوية الأردنية لا يجب أن تُستخدم كورقة سياسية في الصراعات الداخلية أو على حساب المكونات الأخرى، بل يجب أن تُبنى على مفهوم المواطنة المتساوية والولاء للدولة، لا للأصل والمنبت.لطالما حذر من خطورة اختزال الهوية الأردنية في بعد جغرافي أو ديمغرافي، وكان واضحًا في تصريحه المشهور:
"الأردن ليس فندقًا ولا معبرًا، هو وطن كامل الهوية لكل من حمل جنسيته وارتبط به بالولاء والانتماء".
في العديد من خطاباته، اعتبر الروابدة أن الهاشميين ليسوا مجرد حكّام، بل هم "عنصر تكوين" في الهوية الأردنية، وركيزة من ركائز الاستقرار والاتزان السياسي، بسبب ارتباطهم بالمشروع القومي العربي وبالقضية الفلسطينية. وفي أكثر من مناسبة، رفض الروابدة فكرة كتابة التاريخ الأردني بناءً على مزاج سياسي آنٍ، وإن التاريخ لا يجب أن يُكتب "على مقاس اللحظة"، بل يُبنى بعين على الحقيقة، وأخرى على وحدة المجتمع وتماسكه.
وكما هو معروف دولة أبو عصام كان من أبرز الداعمين لفكرة المؤتمر الوطني الجامع، الذي يجمع النخب السياسية والفكرية والأكاديمية للاتفاق على تصور وطني موحد للهوية والدور المستقبلي للأردن، بعيدًا عن التنافس الإقليمي أو التداخلات الخارجية.
وحسب معرفتي بدولة أبو عصام كوني من ذوو القربي وتاريخي الوظيفي والدبلوماسي والسياسي والاعلامي وانتمائي المطلق لوطني ومليكي، فهو لا يتعامل مع التاريخ كمادة مدرسية، بل كمصدر لتشكيل وعي وطني جامع. مواقفه ليست ردود فعل، بل مشروع فكري سياسي طويل النفس، يسعى إلى تحصين الهوية الوطنية ضد الخطابات الشعبوية أو الانقسامية، وربط الماضي بالحاضر عبر إرث الثورة العربية الكبرى ومشروع الدولة الحديثة، وبناء سردية تفاعلية تشارك فيها كل مكونات المجتمع.
حمى الله اردننا الغالي وادام عليه الامن والأمان والتقدم والازدهار بقيادة مولانا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين سمو الامير الحسين.