facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كيف تجعلُ السرديّةُ بلا توثيق .. من الشقيق خصماً أو خائناً؟


محمود الدباس - أبو الليث
02-05-2025 04:40 PM

في بلدة جميلة تتنفس من حدودها تاريخاً عميقاً.. كانت هناك شركتان.. تأسستا في نفس الوقت تقريباً.. على يد أبناء عم.. جمعهم النسب والخبرة.. وكان كل فريق في منطقة مختلفة من تلك البلدة.. لكنهم ظلوا يرون في نجاح الآخر امتداداً لنجاحهم.. فما ينتجانه يكمّل بعضه بعضاً.. واستمر التعاون بينهما.. دون أوراقٍ.. ولا توقيع.. ولا معوقات.. فالمحبة والثقة كانت هي العقود الصامتة.. التي لا يجرؤ أحد على خيانتها.

ومع الوقت.. لمع نجم إحدى الشركتين.. وأصبحت في موقعٍ متقدم في السوق.. فطمع بها محتال ماكر.. جاء متخفياً في هيئة مستثمر تارة.. وعلى هيئة خبير تارة أخرى.. وبدأ يغري بعض الشركاء الضعفاء بالمال والمكاسب السريعة.. فباعوه حصصهم مباشرة.. أو سداداً لديونٍ كانوا قد أخذوها منه.. رغم تحذيرات كبارهم.. ومع أن حصته كانت صغيرة جداً.. إلا أن الماكر لا يحتاج سوى بابٍ موارب.. حتى يتسلل الفساد إلى القلب.

وبدأ يزرع الفوضى.. ويُثير الشكوك.. ويضع العراقيل.. حتى بدأت الشركة تنزف.. فهبّ أبناء العم من الشركة الأخرى لنجدتها.. قدّموا الدعم.. وحاولوا الترميم.. لكن الخراب كان أعمق من الإمكانيات.. والمخادع كان قد حشد تجاراً من خلف الستار ليضمن الهيمنة.. وسقطت الشركة بين يديه.. لا بقوته.. بل بضعف الثقة.. وتفتت الصف.

ولم يكن أمام أولئك الخاسرين لشركتهم.. سوى التوجه نحو أبناء عمومتهم.. في الشركة المتبقية.. واحتضنهم هؤلاء دون تردد.. فالأصل لا يُنكَر.. والدم لا يُعاد تعريفه حسب الظروف.. قدّموا ما استطاعوا إحضاره من أموالهم.. وخبراتهم.. في الشراكة الجديدة.. وبفضل التمازج والمثابرة.. والخبرات المتراكمة من الطرفين.. بدأت الشركة تنمو بشكل متسارع.. وصارت أقوى مما كانت عليه كلتا الشركتين سابقاً.

لكن المخادع لم يهدأ.. فهو لا يحتمل أن يرى مَن نجا من فخه.. يضع يده بيد ابناء عمومته.. ورفع البناء معهم.. فعاد ليزرع فتنة جديدة.. لكن هذه المرة بين أبناء العم أنفسهم.. بسرديةٍ يعجز عنها الشيطان.. أقنع أصحاب الشركة الاصليين.. بأن أبناء عمومتهم.. هم مَن باعوه كامل الشركة الأولى وخربوها.. وهم الآن يتسللون إلى شركتكم للهيمنة عليها.. وطردكم منها.. أو ليشغلوكم عندهم..
كما أقنع الفريق الآخر بأن أبناء عمومتهم.. هم مَن سلّموه شركتكم.. في صفقة مشبوهة.. حين هبّوا لنجدتكم.. فاستغل هو الثغرة.. ودخل بينهم كسمٍ في كأسِ ماءٍ صافٍ.

بدأ الشك.. وتراجع الدفء.. وصار كل فريق ينظر للآخر بعين الاتهام والتخوين.. واختفت تلك النظرة التي كانت تَرى في الآخر سنداً.. واستُبدلت بخوفٍ دفين.. بأن الطعنة القادمة ستكون منه.

تلك الفتنة لم تكن مجرد كلمات.. بل استقرت كقناعة داخل النفوس.. وكل فريق بات يروي لأبنائه قصة خيانةٍ ملفقة عن الفريق الآخر.. وما عادت الأيام الأولى تُذكر.. وما عادت التضحيات تُروى.. وبهذا.. لم يفقد المخادع شركته.. بل قويت بضعف منافسيه وشكوكهم.. وتخوينهم بعضهم.. ونجح في تخريب العلاقة بين أبناء العمومة والأصهار.. والتي كانت أعز من المال.

اليوم.. وبعد أن ترسخت الأكاذيب.. صار علاج هذه الفتنة.. يشبه الجراحة في العظم.. لا بد أن يكون مؤلماً.. لكنه ضروري.. ولا بد أن يُعيد الجميع النظر في الروايات.. التي تلقوها عن بعضهم.. فكل طرف حمل على الآخر سردية مظلمة.. وهو منها بريء.

الذين باعوا حصصهم كانوا قلة.. ولا يمثلون كل الفريق.. بل شرذمة صغيرة جداً.. والذين هبّوا للنجدة.. ولم يستطيعوا حماية الشركة الأولى.. لم يكونوا خونة.. بل كانوا أضعف من مؤامرة كبرى.. حيكت بعناية.. وتكالب عليهم تجارٌ كثيرون.. والذين ضحّوا وجاؤوا حاملين ما تبقى من أمل.. ليسوا طامعين.. بل شركاء في الألم والمصير.

ولن يكون هناك نماء حقيقي.. ما دام كل طرف يرى في الآخر عدواً متنكراً.. ولا يمكن بناء مستقبل مشترك.. على أنقاض ثقةٍ مهدومة.

فلا بد من رواية حقيقية مقنعة جديدة.. لا تبرر الخطأ.. لكنها تنصف الحقيقة.. وتُعيد الاعتبار لمن نسيهم الخلاف.. وطمست ملامحهم الأكاذيب.

ففي نهاية المطاف.. هذه شركة واحدة.. بوجهين.. وهذان الفريقان لا يملكان رفاهية الانقسام.. لأن خصمهم الحقيقي.. لا يميز بينهم.. بل يتغذى على شرخهم.. ويحيا على انقسامهم.. ولن تُهزم فتنته.. إلا بوثبةِ وعيٍ من الاعماق.. تُعيد ترتيب الحكاية.. وتصوغ المستقبل.. كما يستحقه الشركاء الحقيقيون.. لا كما أراده المخادع.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :