تصعيد "المضطر" في شبه القارة الهندية
خلدون ذيب النعيمي
04-05-2025 07:25 AM
تتفق جميع الاطراف الدولية والاقليمية فضلاً عن الطرفين المباشرين الهند وباكستان أن التصعيد الجاري بينهما حالياً والمتصاعد منذ الهجوم الأخير في كشمير الهندية كان أخر ما ينتظره الجميع في هذا الوقت الذي تتلاطم فيه المعضلات السياسية والاقتصادية والصراعات العسكرية ، فما زال الجاران يحصيان اثر الاجراءات الاقتصادية الاميركية الاخيرة عليهما وذلك بالنظر لحجم تجارتهما الكبير مع واشنطن واثر ذلك على اقتصادهما ، وليس بعيداً عنهما تتصاعد الحرب الأقتصادية بين واشنطن وبكين فضلاً عن أستمرار كل من العدوان الاسرائيلي على غزة والصراع الدائر في اوكرانيا على مدى 3 أعوام .
كعادتها حرصت بريطانيا بعد جلائها عن مستعمراتها على أيجاد نقاط خلافية لتضمن دوام تدخلها بحجة الحفاظ على الاستقرار الاقليمي، فكانت كشمير الكرة الملتهبة بين الهند وباكستان بعد تقسيم شبه القارة الهندية وهو الامر الذي قامت به بالمناسبة بين مصر والسودان في منطقة حلايب ، وبالنسبة لكشمير ففضلاً عن الحروب العديدة التي خاضها الشقيقان اللدودان بشأنها خلال القرن الماضي فقد كان هناك أيضاً احتلال الصين لأقليم اكساي تشن في الهمالايا ولقسم من كشمير الذي كان بحوزة الهند وذلك بعد خسارة الاخيرة في الحرب التي جرت بينهما خلال شهري تشرين الاول وتشرين الثاني عام 1962م ، وهو الامر الذي وضع الصين كطرف مهم وصامت في الصراع الثنائي وبتنسيق دائم مع اسلام اباد .
يرى كثير من المراقبين أن أتخاذ حكومة حزب بهاراتا جاناتا القومية في الهند مواقف تهديدية متصاعدة ضد باكستان اثر الهجوم الاخير رغم الظروف المختلفة التي سبق ذكرها ، تنبع من رغبة رئيس الوزراء مودي الذي يرى ان قاعدته الانتخابية القوية التي شيدها منذ ربع قرن عندما كان حاكما لولاية غوجارات والتي قادته للفوز بالانتخابات العامة عام 2014م قد تضعضعت في الانتخابات الاخيرة لصالح حزب المؤتمر المعتدل ، فقد كان عنوان حكم مودي التأكيد على الطابع الهندوسي للبلاد بعيداً عن ارثها التاريخي المسلم الذي يمثله مسلمي الهند بعددهم الذي يزيد عن 200مليون مسلم وبنسبة تزيد عن 15./. من سكان البلاد .
أما باكستان فكان ردها على تصعيد جارتها بقول وزير دفاعها خواجة آصف "نحن على استعداد لحماية أرضنا" فضلاً عن اجراءات ادارية ودبلوماسية وسياسية ، وهنا تعي الهند جيداً عناد واصرار جارتها في مواقفها وذلك من خلال سنيين الصراع الطويلة بينهما على الرغم من الفارق السكاني والجغرافي والاقتصادي الكبير لمصلحة نيودلهي ، وخير مثال لذلك قرار باكستان الانضمام للنادي النووي الدولي في اضعف لحظاتها بعد هزيمتها في حرب 1971م حين أصر رئيس وزرائها الراحل ذو الفقار علي بوتو بأنهم سينجز برنامج بلاده النووي حتى "لو اضطررنا ان نأكل العشب" كما قال وكان لها ذلك .
المؤكد ان الجارين الاسيويين النوويين ليس في وارد مصالحهما الآنية خوض حرب لا يعلمان مدى تصاعدها ، والمؤكد أيضاً أن العالم ايضاً بتقلباته الحالية المختلفة يشاركهما هذا الاحساس ولسان حاله لهما : بأن نجاحهما في العيش المشترك رغم الخلاف الدائم بينهما يستوجب البعد عن أي تصعيد لا يعلم اثره عليهما فضلاً عن اثره على منطقة جنوب القارة الآسيوية والعالم ككل.