facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تأنيث التعليم الأساسي بين الواقع والتصور


د. ميسون تليلان السليم
05-05-2025 04:50 PM

منذ وُضع أول حجر في صرح التعليم النظامي، ظلّ المعلم هو المحور الذي تدور حوله العملية التربوية، لا باعتباره ناقلًا للمعرفة فحسب، بل صانعًا للوعي ومشكّلًا للقيم. ومع كل محطة من محطات التطوير، كانت الدولة الحديثة تسعى إلى تحسين مخرجات التعليم من خلال تعديل المناهج، رفع كفاءة الكوادر، تحسين البنية التحتية، وتطوير أساليب التدريس.

لكننا اليوم نقف أمام تحوّل نوعي جديد، عنوانه "تأنيث التعليم الأساسي"، وهو قرار يمس المرحلة العمرية التي يتشكّل فيها وعي الطفل تجاه ذاته ومجتمعه. وإن كان التطوير في جوهره ضرورة، فإنّ جوهر التعليم لا يقاس فقط بمن يدرّس، بل بما يُزرع في عقل الطفل وقلبه من نماذج وقدوات.

فهل نحن بصدد خطوة إصلاحية واعية تنسجم مع تطور التعليم ومساراته؟ أم أننا نميل نحو معالجة الأعراض دون التوقف عند الجذور؟ وهل تم هذا التحوّل بناءً على أبحاث نوعية معمقة تستقرئ الأثر بعيد المدى؟ أم أنه نتاج سياقات اجتماعية واقتصادية ضاغطة؟

في لحظة دقيقة من مسارنا التربوي صدر قرار تأنيث الكوادر التعليمية للصفوف من الأول حتى السادس في التعليم الأساسي، سواء في المدارس الحكومية أو كسياسة عامة معتمدة. قرار يُفترض أنه جاء بهدف تحسين البيئة الصفية وتعزيز الدعم النفسي للأطفال في سنواتهم الأولى، لكن أبعاده تتجاوز مجرد التغيير الإداري نحو إعادة تشكيل العلاقة بين الطالب والمعلم وبين المدرسة والمجتمع.

من حيث المبدأ فإن مثل هذا القرار البنيوي المؤثر على بنية التعليم الأساسي وتكوين الوعي الاجتماعي للطفل يستلزم أن يكون مبنيًا على دراسات نوعية خاصة ومصممة لهذا الغرض تحديدًا تراعي السياق الأردني وتُنفذ على عينات ممثلة بأساليب علمية دقيقة وتأخذ الوقت الكافي لجمع البيانات وتحليلها ميدانيًا قبل تعميم نتائجها. فمثل هذه القرارات لا بد أن تُبنى على أدوات بحثية متخصصة تضمن أن تكون آثارها متوقعة ومدروسة ومتزنة. وقد أُشير إلى أن القرار استند إلى دراسات يُقال إنها أظهرت تحسنًا بنسبة 73.5% في تحصيل الطلبة واتجاهاتهم بوجود المعلمات في الصفوف المبكرة، لكن لم يُعلن عن طبيعة تلك الدراسات أو مدى انطباقها على الواقع المحلي.

في المقابل لا يمكن إغفال السياق الاقتصادي إذ تشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2024 إلى أن معدل بطالة الإناث بلغ 32.9% مقارنة بـ18.2% بين الذكور. من هذا المنظور قد يُفهم القرار كجزء من جهود الدولة لتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، خصوصًا في القطاعات الحكومية الحيوية كالتعليم. وهذا توجّه يمكن تفهّمه في ضوء المؤشرات الاقتصادية، لكنه يستدعي أن يُصاغ ضمن رؤية أكثر شمولًا تحفظ التوازن وتضمن العدالة وتستند إلى تقييم موضوعي للكفاءات.

من الزاوية النفسية التربوية لا يكفي أن نسأل من يُدرّس بل الأهم أن نتساءل ما الرسائل التي يتلقاها الطفل ضمنيًا من خلال النموذج الذي أمامه. تشير نظريات التعلم الاجتماعي إلى أن الأطفال لا يكتسبون المهارات من خلال المناهج فقط بل من خلال التفاعل والملاحظة.

فالطفل في مرحلة التعليم الأساسي من سن 6 إلى 12 لا يزال في طور بناء صورته عن المجتمع وعن الأدوار الاجتماعية وعن التوازن بين الذكورة والأنوثة في مواقع الرعاية والتوجيه.

غياب المعلم الذكر تمامًا من هذه المرحلة قد لا يُحدث أثرًا مباشرًا في التحصيل، لكنه قد يُشكّل فراغًا رمزيًا في ذهن الطفل خاصة في البيئات التي تعاني أصلًا من محدودية حضور الأب أو النموذج الذكوري الداعم. فهل نريد أن نوصل لأطفالنا دون قصد أن الرعاية والتعليم المبكر حكر على المرأة فقط؟ وهل نريد لطفل في عمر 11 أو 12 سنة ألا يرى أي دور للرجل في التربية المدرسية؟

كذلك فإن الصفات التربوية كالحنان والصبر والاحتواء ليست حكرًا على جنس دون آخر بل هي مهارات مهنية يمكن تعزيزها بالتدريب والتأهيل. وقد أثبت معلمون ذكور على مدى سنوات قدرتهم على التعامل التربوي الفاعل مع طلبة الصفوف الأساسية تمامًا كما فعلت زميلاتهم المعلمات. لذا فإن التنوع في النماذج التربوية لا ينبغي أن يُختزل في التصورات النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي، بل يُعاد طرحه ضمن إطار يوازن بين الكفاءة والتنوع والاحتياجات النفسية للطلبة.

كما تبرز أهمية النظر بعين الاعتبار إلى الأثر المهني والنفسي على الكوادر التعليمية من الذكور العاملين في هذه الصفوف منذ سنوات. فتغيير مواقعهم دون خطة واضحة أو بدائل مهنية مدروسة قد ينعكس على دافعيتهم ويولّد مشاعر غير مرغوبة في بيئة يفترض أن تكون مستقرة وآمنة تربويًا. وهنا تبرز ضرورة التخطيط الانتقالي العادل والمنظم.

وبدافع الرغبة في الإسهام برؤية بناءة أجد أن التعامل مع مثل هذه القرارات يحتاج إلى قراءة متأنية تراعي أولًا طبيعة الطفل في هذه المرحلة العمرية التي تمتد من السادسة إلى الثانية عشرة. إنها سنوات التأسيس السلوكي والوجداني حيث يبدأ الطفل في فهم ذاته وموقعه من العالم ويكوّن تصورات مبكرة عن الأدوار الاجتماعية بما في ذلك توازن الذكورة والأنوثة في مواقع الرعاية والتعليم.

لذا فإن أي تغيير في شكل الكادر التعليمي في هذه المرحلة لا بد أن يُبنى على دراسات نوعية معمقة مصممة خصيصًا لهذا السياق تُنفّذ بأساليب علمية وعلى عينات ممثلة للبيئة المحلية كي تكون النتائج قابلة للتعميم واتخاذ القرار بناءً عليها بثقة ومسؤولية.

في المقابل فإن المعلم ذكرًا كان أم أنثى لا يُختزل في صفاته البيولوجية، بل يُقدَّر بوعيه التربوي وكفاءته وأثره في بناء شخصية الطفل.

إن تعزيز هذه الرؤية يتطلب توفير بيئة مهنية عادلة تُمكّن المعلمين والمعلمات على السواء من فرص التدريب والتطوير المستمر دون افتراضات مسبقة أو مقارنات مجحفة.

ومن الضروري أيضًا أن يُفتح المجال لحوار وطني تربوي تشارك فيه الأصوات الحقيقية من الميدان إلى جانب التربويين وأولياء الأمور لفهم التصورات المجتمعية حيال التعليم المبكر وجسر الفجوة بين السياسات الرسمية والتجربة التربوية اليومية داخل الصفوف المدرسية. إننا لا نبحث عن تعليم مؤنث أو مذكر، بل عن تعليم إنساني عادل ومتوازن يربّي الطفل على التعدد والتكامل لا على الأحادية والانطباعات المسبقة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :