صوت العروبة الهادئ وموقف الأردن الثابت في زمن العواصف
السفير الدكتور موفق العجلوني
06-05-2025 10:32 AM
في زمن تعصف فيه التحديات الإقليمية والدولية، ويعلو فيه ضجيج المصالح على حساب المبادئ، برز اسم معالي وزير الخارجية االسيد أيمن الصفدي كأحد أبرز الأصوات العاقلة والثابتة في الدفاع عن القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وملف القدس، وقضايا سوريا والعراق ولبنان، مجسدًا نموذجًا للدبلوماسي العروبي الذي لا تزعزعه الضغوط ولا تشتته الحسابات الضيقة.
منذ توليه حقيبة الخارجية، أثبت الصفدي حضوره الفاعل على أكثر من مستوى. لم يكن مجرد وزير ينقل الموقف الأردني الرسمي، بل أصبح مع الوقت أحد صناع هذا الموقف، بلغة واضحة وصريحة، وأسلوب هادئ يعكس عمق الرؤية ودقة الحسابات. استطاع أن يحفظ للأردن موقعه واحترامه في المحافل الدولية، عبر أداء متزن، ومواقف مدروسة، وتحركات حيوية وفعّالة، جعلت من السياسة الخارجية الأردنية وبتوجيهات جلالة الملك لاعباً نشطاً في أكثر القضايا الإقليمية تعقيداً.
بخطى ثابته منذ ان عرفته في مطلع عام ٢٠٠٠ في روما الى يومنا هذا يسير وزير الخارجية الصفدي خلف القيادة الهاشمية الحكيمة، وينفذ رؤى جلالته في السياسة الخارجية بكل التزام ودقة. وقد حظي بثقة جلالته المتواصلة، وهي ثقة لا تُمنح إلا لمن يستحقها عن جدارة، وهي أيضاً امتداد لثقة الشعب الأردني بشخصه، وبما يمثله من مواقف تتسم بالنزاهة والوضوح والصلابة.
وفي هذا السياق، لم يغب حضور الصفدي عن مقالاتي وتعليقاتي الصحفية والإعلامية حيث عبرت عن قناعتي ورأي الشخصي بأنه "رجل دولة بامتياز"، مشيدًا بحكمته، وصلابة مواقفه القومية، وقدرته على السير على خطى جلالة الملك و تمثيل الأردن بعزة وكرامة في المحافل الدولية، خاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية، مؤكداً أن الصفدي يمثل نموذجاً نادراً من الدبلوماسيين الذين يجمعون بين الخبرة والموقف والمبدأ.
بنفس الوقت يحظى الوزير الصفدي باحترام عميق داخل أروقة وزارة الخارجية والسفارات الأردنية في الخارج وداخل مجلس الوزراء. ونظراً لانشغاله الدائم في السياسة الخارجية واضطراره للسفر المتواصل، وحرصه على إدارة وزارة الخارجية وحضور الوزارة على المستوى الدبلوماسي في كافة المناسبات، فقد تم تعين وزير دولة لشؤون الخارجية ممثلاً بمعالي الدكتورة نانسي نمروقة. من هنا ينظر للوزير الصفدي كقائد دبلوماسي وإداري ومهني يعرف كيف يدير الملفات بعقلانية ومسؤولية على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويؤسس لثقافة دبلوماسية تقوم على المبادئ والهدوء والفاعلية. وعلى المستوى العربي والدولي، يحترمه العديد من وزراء الخارجية في الدول الشقيقة والصديقة، الذين يجدون فيه محاوراً صادقاً وملتزماً وممثلاً حقيقياً لقيم الدولة الأردنية واعتدالها.
في أكثر الملفات حساسية، وهو ملف القضية الفلسطينية، لم يتردد الصفدي في التصدي لمحاولات تصفية القضية، ولا في المجاهرة برفض كل ما يمس الثوابت الأردنية والفلسطينية. كان صوته واضحاً في رفض "صفقة القرن"، وفي التحذير من تداعيات التوسع الاستيطاني، والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى. حمل موقف الأردن الراسخ في الدفاع عن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مؤكداً في كل مناسبة أن القدس خط أحمر لا يقبل التنازل أو المساومة.
وفي تصريحاته الجريئة أمام الأمم المتحدة أو في الاجتماعات الوزارية العربية، قالها الصفدي بصراحة:
"لا أمن ولا استقرار في المنطقة دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية."
تميز الصفدي أيضاً بموقفه الثابت من الأزمة السورية، إذ حافظ على خطاب متوازن يدعو إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا واستقرارها، ويدعو إلى عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية دون الانجرار وراء الاستقطابات الدولية. لم تغب دمشق عن خطابه، ولا بغداد، ولا بيروت. تمسك بمبدأ رفض التدخلات الخارجية، والتأكيد على أن القضايا العربية لا تُحل إلا بالحوار والتفاهم بين أبناء الأمة، بعيداً عن أجندات الخارج.
وفي خضم التصعيدات الإقليمية، كان صوت الصفدي داعياً للتهدئة، لكن دون أن يعني ذلك التراجع عن المواقف الوطنية. في أكثر من مناسبة، واجه وسائل الإعلام والمنتديات الدولية بخطاب متزن: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الحروب والصراعات، ويجب أن تكون الدبلوماسية هي اللغة السائدة."
وليس بعيداً عن البعد السياسي، فإن الصفدي أيضاً لعب دوراً إنسانياً مشرفاً في ملف اللاجئين السوريين، حيث دافع أمام العالم عن الدور الأردني في استضافة اللاجئين، مطالباً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، ومؤكداً أن الأردن يتحمل عبئاً لا يجب أن يُترك له وحده. لم يكن فقط ناقلاً لمعاناة اللاجئين، بل مدافعاً شرساً عن حقوق الأردن، ومكانته، واستقراره.
في زمن كثر فيه الكلام وقلّ فيه الفعل، وفي مرحلة افتقرت إلى الصوت العربي الصادق، برز أيمن الصفدي كبصمة دبلوماسية أردنية وعربية لا يمكن إنكارها. لم يكن حضوره استعراضياً، بل حقيقياً ومتجذراً في المبدأ والمصلحة الوطنية والقومية.
واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يحتاج الأردن إلى أمثال الصفدي ممن يجمعون بين الحنكة والخبرة، والوضوح والثبات، و الانتماء الوطني ، ليواصلوا الدفاع عن موقع الأردن وصورته وهويته، في عالم لا يرحم من يتخلى عن ثوابته، ولا يحترم من يتنازل عن قضاياه.
مركز الذكاء الاصطناعي للدبلوماسية
AI CENTER 4 DIPLOMACY
mwaffaq@ajlouni.me