بين الإرث والابتكار: الجامعة الأردنية ومسار التعليم العالي
د. أميرة يوسف ظاهر
07-05-2025 11:37 PM
يعد التعليم العالي في الأردن من الركائز الأساسية للتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، وتتصدر الجامعة الأردنية هذا المشهد باعتبارها أول جامعة وطنية تأسست عام 1962، لتكون منارة للتميز الأكاديمي، ومنطلقا لإعداد القيادات، ومؤشرا على انطلاقة جديدة للتعليم العالي الوطني، بعدما كان أبناء النخبة الأردنية يتلقون تعليمهم الجامعي في الخارج وفقا للقدرة المالية.
ومنذ تأسيسها استطاعت الجامعة الأردنية أن تحقق إنجازات بارزة محليا ودوليا، إذ أحرزت مواقع متقدمة في التصنيفات العالمية، ونالت اعتمادات أكاديمية مرموقة في تخصصات كالصيدلة والطب والهندسة. كما أقامت شبكة تعاون مع مؤسسات دولية، وأسست مراكز بحثية متقدمة كمركز المياه والطاقة، ومركز دراسات المرأة، واللغات والترجمة، والمركز الثقافي الإسلامي. وقد شهدت تحولا رقميا لافتا شمل أنظمة التسجيل والتعليم المدمج، ما عزز كفاءتها الإدارية والأكاديمية.
ورغم ما حققته الجامعة من إنجازات مشهودة، إلا أنها تواجه جملة من التحديات التي تتطلب معالجات مدروسة، من أبرزها الضغوط المالية المرتبطة بتراجع الدعم الحكومي، وضرورة تعزيز مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل في ظل تزايد معدلات البطالة بين الخريجين، كما يفرض النمو المتسارع في أعداد الطلبة ضغوطا إضافية على البنية الأكاديمية والخدماتية، إلى جانب الحاجة إلى تنشيط البحث العلمي عبر مصادر تمويل مستدامة. وفي إطار سعي الجامعة نحو التطوير يبرز كذلك التفاوت في الخبرات بين الكوادر الأكاديمية الجديدة والمتمرسة، ما يستدعي جهودا مستمرة في التأهيل والتدريب لمواكبة المستجدات التكنولوجية والتعليمية.
وتقع البنية التحتية بدورها ضمن دائرة التحدي؛ إذ تحتاج إلى تحديث لتواكب نمو الكليات وتطور البرامج، وفي ظل التوسع في أعداد الجامعات، بات من الضروري تعزيز استقلالية الجامعات وفقا لحجمها وعدد طلبتها، ما يسهم في تحسين الأداء الأكاديمي والإداري.
وتسعى الإدارة الحالية برئاسة الأستاذ الدكتور نذير عبيدات إلى تنفيذ خطة إصلاحية شاملة تركز على جودة التعليم لا كميته، وتشجيع البحث العلمي التطبيقي المرتبط بالاقتصاد الوطني، وتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، إلى جانب إعادة هيكلة الإدارة، وتوسيع آفاق التعاون الدولي. كما تعمل على تطوير الخطاب الجامعي ليكون أكثر انفتاحا على المجتمع، عبر دعم المراكز الأكاديمية والثقافية، وطرح مشاريع علمية موجهة للأسواق المحلية والعربية والدولية.
وتعد الاعتمادات الأكاديمية الدولية اليوم معيارا محوريا في تقييم جودة التعليم العالي، لكنها تمثل في الوقت ذاته تحديا في الحفاظ على الاستقلال الأكاديمي؛ لذلك فإن الجامعات مطالبة بتطوير مصادر تمويل مبتكرة بعيدا عن الاعتماد المفرط على الرسوم، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية وتطوير قدرات الكادر الأكاديمي بما يتناسب مع حاجات الطلبة المتغيرة، فهذه المحاور متكاملة ويؤثر الخلل في أي منها على جودة التعليم.
لقد أسهمت عراقة الجامعة الأردنية في ترسيخ ثقافة العلم والمعرفة في الأردن والمنطقة، وخرجت أجيالا من القادة والمفكرين والخبراء الذين ساهموا في بناء الدولة ورفدوا مؤسساتها بالكفاءات، كما عززت قيم الانتماء الوطني والانضباط الأكاديمي، فغدت ركيزة من ركائز الهوية التعليمية في البلاد.
واليوم تقف الجامعة أمام مفترق طرق بين إرثها العريق وتطلعاتها المستقبلية، وهي مطالبة بتحديث أدواتها ومنهجياتها لمواكبة متغيرات العصر، فإذا نجحت في تنفيذ رؤيتها الإصلاحية، فإنها ستواصل دورها الريادي كقاطرة للتعليم العالي في الأردن، وأنموذجا يحتذى به في الإقليم.