يولد البعض في ضجيجٍ لا يليق بنتائجهم.. ويُولد آخرون في صمتٍ مدوٍ لا يُدرك صداه.. إلا مَن يتقن فن الإنصات لما وراء الإنجاز.. وفي هذا العالم الصاخب بالادعاءات.. لا مكان حقيقي.. إلا لمن أتقن العمل بصمت.. وضرب بقوة.

حين تنظر إلى التجربة الصينية.. لا تراها تتحدث كثيراً.. ولا تدخل سجالات إعلامية.. ولا تشارك في الحروب بأجنادها.. ولكنها حاضرة في كل حرب.. بأسلحتها.. وأجهزتها.. وتقنياتها.. التي يختبرها الآخرون نيابة عنها.

فالصين لا تحتاج لمعارض تسويق.. ولا حملات إعلانية.. يكفي أن يسقط خصمٌ بطائرة فرنسية.. أو روسية.. على يد طائرة صينية.. ليدرك الجميع.. أن المنتج الصيني لم يعد مقلداً رخيصاً.. بل سلاحاً مرعباً بثمنٍ منافس.. وتجربةٍ حقيقية..

وإنهم مثال حيّ للشراكة الحقيقية.. بين القطاع العام والخاص.. والانتماء الفعلي للوطن.. والكل يعمل للمصلحة العامة بالدرجة الاولى..

إنها الفكرة ذاتها.. التي يجب أن يفهمها الأفراد والمؤسسات والدول.. بأنك إن وضعت لنفسك هدفاً واضحاً.. وخططاً محكمة.. وسلكت الطريق دون لهاثٍ وراء الأضواء.. فإن الزمن كفيل.. بأن يضعك في الصدارة..

الصمت ليس ضعفاً.. بل حكمة.. وهو الساتر الذي يحجبك عن أعين الطامعين.. إلى أن تكتمل أدواتك.. فتصبح ضربتك مدروسة.. ومؤثرة.. لا تحتاج لتفسير ولا تبرير..

لكننا لا نحتاج أن نكون الصين لندرك هذا الدرس.. ففي كل حارةٍ هناك شابٌ لم يصرخ يوماً بطموحه.. لكنه فاجأ الجميع بمنتجٍ محلي.. نافس المستورد.. وفي كل بلدةٍ هناك امرأة بدأت مشروعها بخجل.. ثم بنت اسماً لا تجرؤ كبرى الشركات على تجاهله.. ليست العبرة بحجم ما تصنع.. بل بصدقك في أن تصنع.. وإن صغرت الوسيلة وعزّ المال.. فالصمت والعمل.. لا يعرفان حجم الميزانية.. بل حجم العزيمة..

ولذلك.. على كل فردٍ يسعى للنجاح.. وعلى كل مؤسسةٍ تريد أن تترك بصمتها.. وعلى كل دولةٍ تطمح لأن تكون رقماً صعباً.. أن تعي.. أن الضجيج لا يصنع القوة.. بل يُضعفها.. وأن الشهرة قبل الإنجاز.. وهمٌ لا يصمد أمام الحقائق..

فإن كنت صاحب رسالة.. أو مشروع.. أو طموح.. اجعل من صمتك استراتيجية.. ومن كل فشلٍ تمر به درساً.. ومن كل نجاحٍ صغير مدماكاً في بناءٍ كبير..

كن كالصين.. لا ترفع صوتك.. بل ارفع منسوب دقتك.. لا تركض خلف التجريب.. بل اجعل غيرك يختبر نيابةً عنك.. ثم اجلس.. وشاهد كيف تتحول ثمار الصبر.. إلى دهشةٍ عالمية..

ففي نهاية المطاف.. العالم لا يتذكر مَن صاح كثيراً.. بل مَن أنجز دون أن يتكلم.. ومَن عمل بصمت.. ثم ضرب بقوة..