دور الأردن في غزة: التزام لا مزايدة
د. أميرة يوسف ظاهر
11-05-2025 11:35 PM
(الأردن في غزة: الفاعل الهادئ)
في زمن تزدحم فيه منصات الإعلام بالروايات المتضاربة والتأويلات الجاهزة، يغدو التشويش على الحقيقة وسيلة لا لتبرير موقف، بل لترويج منطق خاطئ، وفي هذا المشهد المربك لم يكن الاستهداف الإعلامي المتعمد للدور الأردني في غزة عبثا أو صدفة، بل محاولة ممنهجة للنيل من موقف ثابت ودور إنساني نزيه، لم يتاجر بالألم، ولم يسع إلى الكاميرات في لحظات المأساة.
الأردن ببعده الجغرافي وعمقه الديمغرافي وتكوينه السياسي، لم يكن يوما مجرد جار لفلسطين، بل شريكا عضويا في التاريخ والمصير، والعلاقة بينهما لم تبن على المزايدة وإنما على تداخل الهويات وتشابك المصالح الوطنية، وهو ما لا يناسب أطرافا تعودت استثمار الأزمات وتحويل القضايا إلى مزادات سياسية؛ لذا فإن محاولات النيل من هذا الدور لا تنفصل عن محاولات إضعاف نموذج متماسك في الفعل الهادئ والمسؤولية القومية.
منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023 وحتى إبريل 2025، نفذت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية بالتعاون مع سلاح الجو الملكي أكثر من 85 عملية نقل جوي وإسقاط مظلي للمساعدات الإنسانية، بشراكة مع منظمات دولية كالهلال الأحمر واللجنة الدولية للصليب الأحمر والأونروا. كما تم إدخال أكثر من 700 شاحنة إغاثية عبر معبر كرم أبو سالم، بعد التنسيق مع الأطراف المعنية وتوزيعها على المستشفيات ومراكز الإيواء.
هذه الأرقام لم تأت من فراغ بل من عمليات لوجستية معقدة في بيئة أمنية ملتهبة، وتحليق للطائرات الأردنية في أجواء محفوفة بالمخاطر، ووفقا لتقارير دولية محايدة، تصنف جهود الأردن ضمن الأكثر انضباطا وفعالية من حيث وصول المساعدات إلى مستحقيها مقارنة بالإجمالي المرسل.
وفي المقابل اختار الأردن عدم التفاخر الإعلامي، ورفض استخدام المأساة كمنصة استعراضية، ولم يعلن عن كل شحنة ولم يسع إلى "الترند"، بل التزم بنهج صامت وفاعل مؤمنا أن ما يحدث في غزة ليس مناسبة للظهور، بل جرح ينزف في خاصرة الأمة. الدولة التي تطلق مساعدات عبر طائرات حربية وتفتح أجواءها السيادية وتتحمل الكلف المالية والسياسية، لا تقارن بمن يرسل شحنة ويحولها إلى حملة دعائية.
ولفهم الدور الأردني لا بد من قراءة الواقع الإقليمي المعقد، فالأردن ليس دولة محايدة ولا يمتلك ترف المغامرة السياسية، لكنه في المقابل لا يملك رفاهية الانجرار إلى معارك إعلامية تهدد توازنه الداخلي أو تستهلك رصيده؛ لذلك، يتقدم بهدوء وبحسابات دقيقة بعيدا عن الضجيج.
تدار المساعدات من مركز وطني مشترك يضم جهات عسكرية وإنسانية وطبية، ويخضع لرقابة جهات دولية تضمن الحياد والفعالية، هذا النهج يعكس التزاما لا يحتاج إلى تبرير، فالقضية الفلسطينية بالنسبة للأردن ليست ملفا طارئا بل من الثوابت الوطنية.
ويكفي أن نعلم عدد الجرحى الفلسطينيين الذين نقلوا إلى مستشفيات أردنية وتلقوا العلاج على نفقة الدولة، لا تحت ضغط الإعلام وإنما من منطلق الواجب القومي، هذه الحقائق هي الرد الأبلغ على من يشكك أو يروج لمزاعم باطلة.
ففي زمن كثرت فيه الأصوات وقلت فيه الأفعال، اختار الأردن أن يكون الفاعل الهادئ، لا يصرخ لكنه يتحرك، لا يتباهى لكنه يفعل، والرد الحقيقي على حملات التشكيك ليس بالغضب، بل بالاستمرار في الفعل الصادق الذي تقاس قيمته بأثره لا بضجيجه.