facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين تُكتب الحكاية في الظّل .. وتتبدّل الوجوه على المسرح


محمود الدباس - أبو الليث
14-05-2025 07:35 PM

في دهاليز السياسة الأمريكية.. لا شيء يُترك للصدفة.. ولا خطوة تُتخذ من غير أن تكون موضوعة بعناية على رقعة شطرنج المصالح.. تلك الرقعة التي يجلس على طرفيها الحليف الذي لا يُمس.. والعرّاب الذي لا يُكذب.. الكيان الإسرائيلي من جهة.. وأمريكا من جهة أخرى.. أما الباقي.. فإما بيادق صغيرة.. أو أوراق يتم حرقها عند الحاجة..

العلاقة بين أمريكا والكيان.. لم تكن يوماً علاقة تحالف عادي.. بل أقرب ما تكون إلى علاقة مصيرية.. تنبع من جذور دينية.. وثقافية.. ولوبية ضاغطة.. لا تقف عند حدود اللوبي الصهيوني فحسب.. بل تمتد إلى تيارات إنجيلية.. تؤمن بأن قيام الدولة الإسرائيلية.. شرط لعودة المسيح المنتظر.. ولعلّ هذه البنية العقدية.. هي ما يجعل الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي.. فوق أي خلاف.. أو تغيّر سياسي.. فهو ليس فقط التزاماً استراتيجيا.. بل التزاماً هوياتياً لدى كثير من النخب الحاكمة في واشنطن..

حين جاء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.. لم يأت كسياسي تقليدي.. بل كمبعوث لمرحلة أكثر انكشافاً.. وأكثر صدقاً في التعبير عن العقل الأمريكي العميق.. ذلك العقل الذي لا يرى في الكيان الإسرائيلي مجرد حليف.. بل امتداداً وظيفياً للوجود الأمريكي في قلب الشرق الأوسط.. فكانت القدس تُعطى على طبق من ذهب.. والجولان يُسلّم بخطاب صحفي.. والتطبيع يُفرض بتغريدة.. أما غزة.. فقد كانت خطته فيها صادمة.. إذ أعلن نيته إعادة إعمارها.. بشرط إخراج أهلها منها.. في تصورٍ صريحٍ لتغييرٍ ديمغرافي غير مسبوق.. خطة قال عنها نتنياهو إنها رائعة.. بينما كان العالم يتساءل.. إن كانت تلك بداية لتطهير عرقي جديد..

لكن المفارقة.. أن ذات الإدارة التي عبّرت عن دعمها اللامحدود للكيان الإسرائيلي.. كانت تشهد في كواليسها مداولات خافتة.. وتسريبات حول خلافات تكتيكية.. لا تمس جوهر العلاقة.. بل ترتبط بكيفية التعاطي مع الأدوات.. خصوصاً مع حركة حماس.. فبينما كان الكيان إسرائيلي يعتبر.. أن الحل لا يكون إلا بالقضاء التام عليها.. كانت بعض الأصوات داخل الإدارة الأمريكية.. ترى أن لحماس.. دوراً سياسياً لا يمكن تجاوزه.. وأن الإبقاء عليها ضمن معادلة القوة.. قد يكون ضرورة لفرض تسويات لاحقة..

هنا لا بد من التوقف أمام الوثائق المسربة من البنتاغون والمخابرات الأمريكية.. والتي تحدثت عن مناقشات داخلية.. حول مستقبل غزة ما بعد الحرب.. وعن وجود تباين حقيقي.. بين الإدارة الأمريكية.. والقيادة الإسرائيلية حول التوقيت والأدوات.. بل إن بعضها أشار إلى ضغوط أمريكية.. لفتح ممراتٍ إنسانية.. وقبول بهدنة مؤقتة.. وهو ما رفضه الكيان الاسرائيلي في أكثر من مرة.. كل ذلك وسط تصريحات إعلامية.. تؤكد أن أمريكا والكيان الاسرائيلي في خندق واحد.. فهل ما نراه من تباينات هو حقيقة؟!.. أم مسرحية لتوزيع الأدوار؟!..

حين نقف عند تصريحات بايدن المتناقضة.. من جهة دعم مطلق لإسرائيل.. ومن جهة تلميحات بضرورة تجنب سقوط مدنيين.. ندرك أن اللعبة أكبر من مجرد سياسة إدارة.. بل هي سياسة دولة عميقة.. تعرف متى تلوّح بالعصا.. ومتى تلبس قناع الرحمة.. دون أن تغيّر في العمق من ولائها للكيان.. فتأتي المساعدات العسكرية تباعاً.. ويُستخدم الفيتو في مجلس الأمن.. وتُمنع أي مساءلة دولية للكيان الاسرائيلي.. ليظل السقف محمياً.. مهما علت أصوات الاحتجاج..

فهل ما يجري هو تبديل طاقيات.. وتغيير مواقع فقط.. مع بقاء الهدف كما هو؟!.. أم أن ثمة تغيرات حقيقية في الرؤية الأمريكية.. تجاه مستقبل الكيان.. ودوره في المنطقة؟!.. سؤال قد لا يجد إجابته في التصريحات الرسمية.. بقدر ما يُفهم من قراءة دقيقة لما لم يُقال.. ولما تُخفيه الوثائق والتسريبات.. وما يلوح خلف الكواليس من تفاهمات قديمة.. تُلبس اليوم لبوساً جديداً..

المشهد شديد التعقيد.. لكن الثابت فيه.. أن العلاقة بين أمريكا والكيان الاسرائيلي.. ليست علاقة ظرفية.. ولا خاضعة لحسابات الرؤساء المتعاقبين.. بل هي علاقة نُسجت عبر عقود من الالتزامات.. والتشابكات المصالحية والعقائدية.. وما يراه البعض خلافاً.. قد لا يكون إلا خداعاً بصرياً.. تمليه ضرورة توزيع الأدوار.. لإبقاء المسرح مشوقاً.. لكن النهاية.. تُكتب دوماً بقلمٍ واحد.. ذلك القلم الذي كتب منذ البداية.. أن أمن الكيان الاسرائيلي.. خط أحمر.. لا يُمس..

هو ذات القلم.. الذي كتب السيناريو منذ البداية.. لا يزال في مكانه.. لم ينكسر بعد.. ولم ينفد حبْره.. وكل مَن نراهم على المسرح.. ليسوا سوى مؤدين.. يتبادلون الأدوار.. أو ضحايا.. ظنّوا أنهم أبطال..

ولعل أخطر ما في المشهد.. ليس ما نراه أمامنا من نارٍ ودمار.. بل ما يُكتب في الظلال.. بصمتٍ مدروس.. وخططٍ بعيدة المدى.. تعيد تشكيل الوعي.. وتضبط إيقاع المواقف.. بما يخدم ذلك القلم.. الذي لا يؤمن إلا بلونٍ واحدٍ للحقيقة.. ذلك اللون.. الذي ينعكس فقط على مرآة مصالحه..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :