مصفاة البترول .. ما سبب ارتفاع حصتها في السوق إلى 55%؟
محمود الدباس - أبو الليث
16-05-2025 07:10 PM
في زمن تكثر فيه الشعارات.. وتغيب فيه الحقائق خلف ستائر الإعلام الصاخب.. كان لا بد من رحلة إلى الحقيقة.. رحلة لا تقودها الشكوك.. بقدر ما يحفّزها الشغف بالوطن.. فقرر ملتقى النخبة-elite أن يزور شركة مصفاة البترول الأردنية.. لا لنستمع لما يُقال.. بل لنرى ما يُفعل.. ولنقرأ التفاصيل في الوجوه.. قبل أن نُسطرها في المقالات.. أو ننحدث عنها في المجالس..
دخلنا بوابة المؤسسة التي صحونا عليها منذ وُجدنا.. ورافقنا اسمها في كل بيت.. وفي كل دفء.. وفي كل نقلة من أطراف الوطن إلى عمقه.. كان الانطباع الأول مختلفاً.. فلم نُقابَل بمظاهر الاحتكار.. ولا بجدران صامتة.. بل بمسؤولين يتحدثون بفخر.. ولكن دون غرور.. مسؤولين لا يتصدرون الحديث.. بل يتقاسمونه بروح الفريق.. فلا كلمة فوق كلمة.. ولا رأي يُقمع لصالح رأي..
عطوفة المهندس الشاب النشمي حسن الحياري.. لم يكن الرئيس التنفيذي فقط.. بل كان ابن المؤسسة.. وابن الوطن في آن.. تحدّث بلغة الميدان.. لا بلغة المكاتب المغلقة.. وأفسح المجال لكل مسؤول أن يعرض ما عنده.. فالمصفاة هناك.. ليست شخصاً.. ولا توقيعاً.. بل كيان ينبض بفريقه.. ويتنفس بالأردن..
وما بين محطة ومحطة في جولتنا داخل هذا الصرح الوطني.. كنا نكتشف أن من خلف الأرقام.. ومن وراء المواسير والخزانات.. أناسٌ يرون في كل قطرة نفط مسؤولية.. وفي كل منتج رسالة.. فهذه المصفاة لا تتعامل مع الربح كغاية.. بل كوسيلة لخدمة وطن.. وحين تصل المعادلة إلى مناطق نائية لا تدر الربح.. تُقدّم الخدمة والمسؤولية الوطنية رغم الخسارة.. لأن مقياسهم ليس دفتر الحسابات.. بل دفاتر الانتماء..
حتى في تفاصيل صغيرة.. كصناعة زيوت السيارات.. وجدنا معايير وطنية خالصة.. لا استيراد.. ولا خلط مشبوه.. ولا غش يمر من بين الأصابع.. زيت يصنع من مواد أولية سليمة.. لا من نفايات النفط المكرر.. والهدف.. ليس الربح.. بل أن يكون للمنتج الأردني رأس مرفوع في السوق..
وإن سألت عن أسطوانة الغاز.. فالجواب ليس فقط في الحجم والسعر.. بل في سماكة المعدن.. وفي فحص لا يرحم.. وفي صيانة تُعيد لها الحياة من جديد.. لا تمر الأسطوانة من بوابة المصفاة.. إلا وقد لبست ثوب الأمان.. وإن تبين ثمة تلاعب هنا.. أو هناك.. فلا مجال إلا للمحاسبة الصارمة..
أما البيئة.. فهي الحاضر في كل زاوية.. وبرغم أن المصفاة كانت بعيدة.. إلا أن الزحف العمراني لحِق بها.. فلم تتذمر.. بل تكيّفت.. وزرعت أنظمة تمنع السموم بملايين الدنانير.. واستثمرت في المحيط.. كما تستثمر في الإنتاج.. ملايين تُنفق كمسؤولية مجتمعية لا يفرضها قانون.. بل تُمليها الوطنية..
وبعد أن فُتح سوق المشتقات للمنافسة في عام 2013.. واقتسمت الشركات الثلاث السوق بالتساوي.. ظلت الثقة الشعبية تسلك طريقاً مغايراُ.. فارتفعت حصة شركة جوبترول.. الذراع التسويقي للمصفاة.. إلى نحو 55%.. ليس بفعل احتكار.. ولا دعاياتٍ.. ولا تخفيضٍ للاسعار.. بل بإرادة المواطن.. الذي اختار ما جرّبه.. وأحب ما لم يخنه..
ولا بد من التعريج على التخزين.. حيث المقياس العالمي يضع الحد الآمن عند 61 يوماً.. نجد أن المصفاة تخزن لحوالي 100 يوم للكثير من منتجاتها.. لا لأن أحداً أجبرها.. بل لأن الأمن الوطني في عيونها أولاً.. وقبل أي رقم في كشوفات الأرباح..
هي ليست مجرد منشأة.. بل قصة وطن.. تتحدث بالحديد والنار.. لكنها تُكتب بالحكمة والولاء.. ولو أُتيحت لها مساحة أكبر للتكرير.. لملأت حاجة السوق.. لا لتقصي الآخرين.. بل لتسد فجوة نحن في أمسّ الحاجة لإغلاقها.. وما مادة الاسفلت.. إلا مثالٌ حيّ.. فعندما تشح في السوق.. ما هي الا لاحترام الشركة لحدود التكرير الملتزمة بها.. والتي لا تفي لاستخراج هذه المادة.. بالكميات التي يحتاجها السوق في الكثير من الاوقات..
شكرًا للمصفاة.. لأنها لم تُفرّق بين الربح والانتماء.. وشكراً لرئيسها التنفيذي.. الذي لم يصنع هرماً من الأوامر.. بل دائرة من الشراكة.. وشكراً لكل مسؤول وعامل.. يحمل شعلة هذا الوطن في يده.. ويرى أن الوطن يُبنى من قلب الخزّان.. لا فقط من فوق المنابر..
وإن كان في هذه الزيارة من عبرة.. فهي أن العيون الصادقة.. لا تكذب.. وأن في بعض المنشآت نبضاً يكاد يُسمع.. إن اقتربت بقلبك قبل قلمك..
واننا نجد مصفاة البترول الأردنية.. حين تُختصر الأوطان في خزّان.. وينطق الحديد بالولاء..