facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين طائرات الموت وطائرات تحمل الرحمة


محمود الدباس - أبو الليث
18-05-2025 10:50 AM

في عالمٍ تتلاشى فيه المروءات أمام صفقات المصالح.. ويُقاس الدعم.. بمقدار ما سيجنيه صاحبه من صورة.. أو ثناء.. يبرز الأردن كاستثناء حي.. يمد يده.. لا ليأخذ.. بل ليمنح.. يهبّ للمساعدة في كل نازلة تحلّ بأرضٍ عربية.. أو إنسانية.. رغم قلة موارده.. وضيق حاله.. واحتراق أطرافه بجوار أزمات لا تهدأ.. لكنه لا يزال يقول.. نحن معكم.. لا ننتظر نداءً ولا نشترط غطاءً..

من فلسطين التي لم تغب يوماً عن خطاب جلالة الملك.. ولا عن عقل الجندي الأردني.. إلى غزة التي باتت المستشفى الميداني الأردني فيها معلَماً ثابتاً منذ 2009.. وحتى اليوم.. يتجدد بأطقمه الطبية والعسكرية.. يعالج الجرحى وسط القصف.. ويسعف الأرواح تحت الركام.. إلى الضفة الغربية التي بقيت حاضرة في كل خطاب رسمي.. وموقف دولي.. كان الأردن دوماً في الطليعة.. لا يسأل عن الثمن.. لأنه يرى أن مَن يقايض القدس.. لا يستحق أن يكون في ركبها..

وفي زلزال سوريا وتركيا عام 2023.. حين اختنقت الطرق من الردم والدم.. كانت الطائرات الأردنية أول مَن حطّ.. تحمل معها أطقم الإنقاذ التابعة للدفاع المدني والجيش العربي.. وأجهزة الكشف عن الحياة تحت الأنقاض.. والمستشفى الميداني المتنقل.. الذي وُزع بين غازي عنتاب وجنديرس.. وكأنّ عمان أدركت.. أن الكارثة لا تسأل عن الحدود.. ولا عن السياسة..

وفي لبنان.. حين اشتعلت غاباته بالنار صيف 2021.. لم يكن بوسع أحدٍ أن يطفئ الحريق.. سوى طائرات سلاح الجو الأردني.. التي حلّقت فوق الجبال رغم المخاطر.. وفي انفجار مرفأ بيروت.. لم يتردد الأردن لحظة واحدة.. فأرسل طائراته بالمساعدات.. وفتح مستشفياته أمام الجرحى اللبنانيين.. لأن الألم هناك.. وصل صوته إلى هنا..

ولم تكن السودان بعيدة عن القلب الأردني.. ففي فيضانات 2022.. كانت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية.. تحطّ في الخرطوم بحمولات من الأغذية.. والمواد الطبية.. والخيام.. والشيء ذاته تكرر مع اليمن.. التي وصلتها المساعدات الأردنية أكثر من مرة.. رغم صعوبة الطريق.. وخطورة الميدان..

أما المغرب.. فحين وقع زلزال الحوز في سبتمبر 2023.. كانت عمان من أوائل مَن أعلن التضامن.. لا عبر بيانات باردة.. بل بإرسال فريق بحث وإنقاذ متكامل من الدفاع المدني.. توجه مباشرة إلى إقليم تارودانت.. وعمل أياماً في ظروف صعبة.. بحثاً عن أحياء بين الأنقاض.. ليُسجّل الأردن موقفاً لا ينساه الأشقاء.. بأن العروبة عنده.. ليست مجرد حروف.. بل فعل يتجدد في كل نازلة..

وحتى في ليبيا.. حيث سكتت الألسن.. خشية من الفوضى السياسية.. لم يتردد الأردن في إرسال مستشفى ميداني إلى درنة.. في كارثة السيول عام 2023.. كما أرسل المساعدات إلى بنغازي.. ووقف على الحياد النبيل.. لا يسعى إلى موطئ قدم.. بل إلى إنقاذ مَن بقي على قيد الرجاء..

لكن ما لا يدركه كثيرون.. أن هذا البلد الصغير مساحةً.. الذي يقف في فوهة بركان إقليمي ملتهب.. لم يغلق بابه يوماً في وجه الملهوفين.. ولم يسأل الجائع والخائف عن جنسيته..

فلم تكن يد الأردن تمتد فقط في الخارج.. بل فُتحت أبوابه داخلياً لمن أغلقت في وجوههم الأوطان.. فاحتضن مئات الآلاف من العراقيين بعد الاحتلال الأمريكي وما تلاه.. وأفسح للسوريين مكاناً في قلبه كما في مدنه وقراه.. بل وحتى من اليمن والسودان وليبيا.. جاءوا إليه من بعد المسافة.. لا لقربها.. وذلك لأنهم علموا.. أن هذه الأرض.. لا تُغلق في وجه الحرّ.. ولا تسأل اللاجئ إلا عن جرحه.. ولا تُقيم للون الجواز وزناً.. حين تصرخ الكرامة..

ومع أن الأردن يعيش في محيط مشتعل.. بين احتلال وصراعات أهلية.. ويعاني من أزمات اقتصادية خانقة.. ومديونية تجاوزت الأربعين مليار دينار.. ونسبة بطالة مرتفعة.. إلا أن بوصلته الأخلاقية.. لم تتزحزح.. ولم تكن يوماً مرهونة لحسابات الربح والخسارة.. بل استمرت طائرات سلاح الجو الملكي في الإقلاع.. حاملة أدويةً وضمادات.. بدل القنابل والنار..

الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية.. التي تأسست منذ ما يزيد عن عقدين.. لم تهدأ يوماً.. ففي كل كارثة.. كانت هناك.. تنسق.. وتجمع.. وتشحن.. وتُرسل.. لا تفرق بين صديق وعدو في زمن الحاجة.. لأن الإنسان عندها قيمة.. لا جنسية..

والملك عبد الله الثاني.. ما فتئ يحمل قضية العرب إلى كل منبر عالمي.. يحدّث عن فلسطين كقضية مركزية.. ويُحذر من نسيان غزة تحت ركام السياسة.. ويؤكد أن الأمن الإنساني في الإقليم.. مسؤولية جماعية.. وقد كان أول زعيم عربي يزور رام الله بعد كل هبة.. أو حرب.. وأول من يحذر من استفزازات الاحتلال في الأقصى..

كل ذلك.. في ظل ظروف اقتصادية خانقة يعيشها الأردن.. لا موارد نفطية.. ولا صناعية ضخمة.. لكنه دولة بنيت على القيّم.. على المروءة.. على أن الحق يُنصر بالفعل.. لا بالهتاف.. وعلى أن مَن لا يقف مع إخوته في لحظة السقوط.. لا يستحق أن يُصافحهم عند الوقوف..

فمن يشكك بعد هذا كله بمواقف الأردن.. فليُراجع ضميره.. لا أرشيفه فقط.. لأن التاريخ الأردني لا يحتاج لمن يدافع عنه.. بل لمن يتأمل فيه.. ويخجل من صمته حين وجب عليه الشكر..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :