التعديل المنتظر .. اختبار للرؤية أم مجاملات؟!
محمود الدباس - أبو الليث
18-05-2025 07:01 PM
دولة الرئيس.. حين يُذكر التعديل الوزاري.. تتسارع التحليلات.. وتتكاثر الروايات.. ويعلو السؤال في الشارع الأردني.. هل سيكون التعديل هذه المرة لتدوير الأسماء؟!.. أم لتصويب المسار؟!.. وهل ما زال المواطن يملك رفاهية الأمل في التغيير.. أم أنه بات مقتنعاً أن الوجوه تتبدل.. والنهج ثابت؟!..
لكن الحقيقة التي لا يمكن القفز عنها.. أن التعديل الوزاري في أصل معناه.. ليس ترفاً سياسياً.. ولا هو مكافأة نهاية خدمة لمن تعب.. ولا وسيلة لإرضاء حلفاء.. أو احتواء أصوات متململة.. بل هو فعل ضرورة.. ينطلق من مراجعة دقيقة.. وقراءة صادقة لما تحقق وما تعثر.. وما يجب أن يكون عليه الأداء.. في حكومةٍ قيل عنها.. إنها حكومة تنفيذ.. لا تنظير..
ولأن الميدان لا يكذب.. فإن كثيراً من الحقائب الوزارية كشفت عن هشاشة في الرؤية.. أو ضعف في المواجهة.. أو حتى غياب في الحضور.. والنتيجة أن الناس لم يروا في بعض الملفات.. إلا المزيد من التخبط.. والصمت المريب.. وربما الانسحاب غير المعلن..
فمن حق المواطن أن يسأل اليوم.. ماذا قدمت وزارة الإعلام.. في مواجهة حملات التشويه الممنهجة؟!.. هل بات دفاعها عن الدولة مجرد تغريدة متأخرة.. أو تصريح باهت لا يسمعه إلا من كتبه؟!.. بل متى كانت آخر مرة شعر فيها الناس.. أن الرواية الأردنية وصلت إلى العالم.. كما يجب؟!.. أو حتى إلى الداخل.. كما نريد؟!..
أما الصحة.. فذلك الملف الذي لا يحتاج إلى توصيفٍ عابر.. بل إلى مصارحة طويلة.. ومكاشفة مؤلمة.. فالفجوة بين المواطن ومراكز العلاج تتسع.. لا فقط في الجغرافيا.. بل في العدالة.. والنوعية أيضاً.. وما زالت الطوابير.. والشكوى من ضعف الخدمة.. ونقص الكوادر.. ونقص بعض الأدوية.. حكايات تروى يومياً على بوابات المستشفيات.. وفي أروقتها..
وفي التربية والتعليم.. والتعليم العالي.. اختلطت الورقة بالقلم.. وتاهت الرسالة ما بين خطط متغيرة كل عام.. وإرباك دائم للأهالي والطلبة.. حتى باتت المدرسة عبئاً.. لا نوراً.. وصار التوجيهي حديث أعصاب.. لا حديث علم.. أما الجامعات.. فحدث ولا حرج.. ما بين ضعف المخرجات.. وتكدس البطالة.. وعدم مواكبة سوق العمل واحتياجاته..
دولة الرئيس.. إذا كان التعديل المرتقب.. سيأتي لتجميل المشهد.. فلن يغيّر شيئاً من الواقع.. أما إن جاء لتصحيح الخلل.. وضخ الكفاءات.. واستبعاد مَن ثبت ضعفهم.. أو غيابهم.. فسيكون خطوة شجاعة.. وتستحق الدعم والثناء.. ليس لأن الناس تحب التغيير لأجل التغيير.. بل لأنهم سئموا الصبر على مَن لا يجيد إلا التبرير..
دولة الرئيس.. المناصب ليست جوائز ترضية.. ولا كراسي محجوزةٍ لأسماء بعينها.. ولا امتحاناً للمجاملة السياسية.. بل هي عقود شرف مع الناس.. ومسؤولية وطنية.. لا يحتملها إلا مَن امتلك الإرادة أولاً.. والكفاءة ثانياً.. والقدرة على المواجهة ثالثاً..
ولذلك.. فإن النظر في التعديل الوزاري.. لا يجب أن يكون محصوراً في الأسماء فقط.. بل في الفلسفة التي تقود هذا التعديل.. فإما أن تكون فلسفة إنقاذ.. أو فلسفة تسويف.. وما بينهما فرق.. يشبه الفرق بين دولة تنهض.. ودولة تنتظر مصيرها بصمت..
الناس يا دولة الرئيس.. تعبوا من ترحيل المشاكل.. ومن تدوير الأخطاء.. ومن اختباء المسؤول خلف تعميمٍ أو منشورٍ أو لجنة.. يريدون رجالاً في الميدان.. لا في المكاتب.. يريدون وزراء يسمعونهم.. قبل أن يُسمِعوهم.. ويشعرون بهم.. لا عليهم..
دولة الرئيس.. إن كنت تنوي التعديل.. فليكن جريئاً.. لا مرتبكاً.. حاسماً.. لا هشاً.. وطنياً.. لا فئوياً.. فإنها لحظة اختبار.. لا لحظة مجاملة.. والأردن يستحق مَن يتقدم إليه.. لا من يتوارى خلفه.. ومَن يصنع الفرق.. لا مَن ينتظر التعليمات.. ومَن يعترف بالتقصير.. لا مَن يتقن تزيين الفشل..
وختام القول.. فإن ما ينجو في الذاكرة.. ليس عدد التعديلات.. بل أثرها في الوجدان.. والناس تحفظ مَن غيّر حياتهم للافضل.. لا مَن بدّل صورته فقط..