facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين نتباكى على أبناء الحراثين .. مَن نظلِم؟!


محمود الدباس - أبو الليث
21-05-2025 11:45 AM

كانوا يحرثون الأرض بأيديهم.. يطاردون الشمس قبل المغيب.. ويفرشون العراء للسماء.. حين تبيت أعينهم على التعب.. لم يكن لأحدهم ظهرٌ سوى محراثه.. ولا سندٌ سوى صبره.. كان الفقر حينها سمة لا تُخفى.. والكرامة عنواناً لا يُساوم.. أولئك هم الحراثون.. الذين لم يملكوا سوى الأرض.. وكانوا.. مع ذلك.. أغنياء بالرضا..

ومضت الأيام.. لم يكن الزمن كريماً معهم دائما.. لكنه لم يبخل على بعضٍ من نسلِهم.. بفرص غيرت مجرى حياتهم.. فكبر الأبناء.. وخرج بعضهم من قراهم.. حملوا حقائبهم المحشوة بحكايات الطين.. واتجهوا للعاصمة.. وهناك.. في زواياها المتغيرة.. بدأت التحولات.. في السكن.. في العلاقات.. في المدارس.. وحتى في الأحلام.. صار لابن الحراث بيئة جديدة.. وأفق أوسع..

تبوأ بعضهم مراكز عليا.. وارتقوا السلم درجة تلو الأخرى.. لا لأنهم خانوا جذورهم.. بل لأنهم أحسنوا الإمساك بها وهم يصعدون.. فتغيرت ظروفهم.. وتحسنت أحوالهم.. وصار من الطبيعي.. أن يحرص الوزير القادم من بيئة الحراثين.. على تعليم أبنائه في جامعات مرموقة.. ويهيئهم لدراسة العلوم السياسية.. أو الاقتصاد.. أو الإدارة.. لأنه بات يدرك خريطة الطريق نحو القرار.. ويعلم أن التفوق في الطب والهندسة والصيدلة.. قد لا يمنح ابنه حقيبة وزارية.. أو قيادة عسكرية.. مهما بلغت درجاته..

لكن.. دعونا نكون منصفين.. فهناك هامش واضح.. بل ومتسع أحيانا.. لأبناء غير هؤلاء.. لمن لم يكونوا بالأساس من أبناء.. أو أحفاد الحراثين.. فقد تيسرت لهم السبل.. وتوفر لهم ما يؤهلهم للمنافسة من بوابات مراكز الدراسات.. والمؤسسات العريقة.. وطرقوا أبواب القيادة بعلم ومعرفة.. وربما بقليل من الدعم غير المعلن..

وأنا.. وإن كنت أحد أبناء الحراثين العسكريين.. ولا أخجل أن أقولها.. بل أعتز بها.. فإنني أكتب هذا.. لا دفاعاً عن أبناء النعمة.. ولا عن طبقة ذوي النفوذ.. بل لأنني رأيت بعيني.. كيف يتبدل الحال.. وكيف يمكن لابن الحراث إن حظي بدعم من عائلته.. أو عشيرته.. أن يصبح نائباً.. أو رئيس بلدية.. ومن هناك يبدأ صعوده.. حتى إذا ما لمع نجمه.. أصبح وزيراً.. أو حتى رئيسا للوزراء..

لكن المفارقة القاسية.. أننا حين نرى أبناء هؤلاء.. وقد نالوا حظا من التعليم والفرص.. نسارع لنفي صفة ابن الحراث عنهم.. وكأننا نريد أن نحتكر هذا اللقب.. لمن بقي على حاله دون حراك.. لنبقى نكرر الشكوى.. ونتباكى على أبواب الفرص الضائعة..

نعم.. الواسطة والمحسوبية موجودة.. ولا أحد ينكرها.. لكنها لم تعد تُمارس على المكشوف.. بل أصبحت تُغلف غالباً بغلاف الكفاءة الظاهر.. فكم من قرار يستند إلى.. أن هذا المرشح تلقى دراسته في جامعة مرموقة.. أو تدرب في مركز عالمي.. وكأن الشهادة وحدها صك تأهيل للمنصب.. متناسين أن الوصول لهذه الدراسة.. لم يكن متاحاً للجميع.. وأن ظروف بعض الناس.. صنعت منهم منافسين أقوى وأشرس.. لا لأنهم الأفضل بالضرورة.. بل لأنهم تدربوا مبكراً على خوض السباق.. وعرفوا من أين تؤكل الكتف..

الحديث عن أبناء الحراثين بات مشوبا بالاختزال.. وكأننا أمام صورة جامدة لا تتحرك.. بينما الواقع يقول.. إن أبناء الحراثين.. تسللوا إلى المناصب بجدّهم وجهدهم أحياناً.. وبدعم بيئتهم أحياناً أخرى.. وبتحولهم من بيوت الطين.. إلى بيوت القرار.. فلماذا نُصرّ على فصلهم عن جذورهم؟!.. ولماذا نرفض الاعتراف.. أن بعض أبناء النعمة.. ما هم إلا أبناء أولئك البسطاء.. الذين أعادوا رسم المسار.. دون أن ينكروا من أين جاؤوا؟!..

المعادلة ليست بيضاء.. أو سوداء.. فهي مليئة بالتدرجات.. ومن أراد أن يغير واقعه.. فليدرك أن السباق محتدم.. وأن البكاء لا يمنح مكانا في الصدارة.. بل هو جهد.. وإرادة.. وتخطيط.. والأهم من ذلك.. دعم بيئة تؤمن بك.. وتدفعك للأمام.. حتى لو كنت ابن حراث.. أو حفيده..

لذلك.. لا تنتقصوا من نجاح أحد.. ولا تحصروا الحلم في حدود القرى البعيدة.. ولا تتوهموا أن كل مسؤول ابن ذوات.. فبعضهم.. ما زال قلبه معلقاً بشجرة زيتون خلف الدار.. يحنّ للتراب.. أكثر مما تحنّون للشكوى..

هي وجهة نظر يكتبها ابن حراث.. حمل البندقية في خدمته العسكرية.. ولم يحمل يوماً ملفاً سياسياً ولم يسعَ إليه.. لكنه مع ذلك.. لم يشعر بالخذلان.. فقد تسلّم مواقع قيادية في مؤسسات خاصة.. لا بفضل واسطة ولا بمحسوبية.. بل بجهدٍ يعرف طعمه أبناء الأرض.. ويسكن وجعه من عجنوا الطين بأقدامهم..

ولأننا نعرف أبناء جلدتنا.. نقولها بصدق لا يحمل تجميلاً ولا مجاملة.. فمن أبناء الحراثين مَن هو وزير حالي.. او مديراً عاماً.. ومنهم مَن صار لواءً.. أو عميداً.. أو ضابطاً في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.. ومنهم مَن يتولى رئاسة كبريات الشركات.. ومنهم من يحمل أعلى الدرجات العلمية ويدرّس أبناءنا في الجامعات..

فلا نجعل من التباكي على أبناء الفلاحين حجة نُمرّر بها عجزنا.. أو نُخفي بها تراجعنا.. ولنتحدث بصراحة.. أن الحلم لا يزال ممكناً.. لمن امتلك العزيمة.. وآمن أن الأصل شرف.. وليس قيداً يمنع التقدم..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :