في الخامس والعشرين من أيار، تُعلن المملكة الأردنية الهاشمية ذكرى استقلالها التاسعة والسبعين، كالطائر الذي يحلق من عش الماضي ليحط على أغصان المستقبل، حاملاً في منقاره أغاني الحرية، وفي جناحيه وعوداً بالعطاء. إنه يومٌ يمتزج فيه عبق التضحيات بنسمات الأمل، يومٌ لا يكتفي الأردنيون فيه بالوقوف على شاطئ الذكريات، بل يبحرون نحو آفاق التقدم، يحملون في قلوبهم إرث الأجداد، وفي أعينهم بريق الأحفاد.

هذا الوطن، الذي صاغته أيادي التاريخ وعزيمة الرجال، ما زال ينبض بقوة الشباب، كالشجرة الضاربة جذورها في عمق الأرض، بينما تمد فروعها نحو السماء باحثة عن نور الغد. فشباب اليوم ليسوا ظلاً للماضي، بل شعلةً للمستقبل، يعملون في صمت كالنحل، ويحلمون بصخب كالفرسان، ويرون في الاستقلال مسؤوليةً لا تُحمَل إلا على سواعد الواثقين من أنفسهم، الموصولة دماؤهم بتراب هذا الوطن.

وفي زحمة الأيام، تبقى الهوية الأردنية كالجبال الرواسخ، لا تُزعزعها رياح التحديات، ولا تُغير مسارها عواصف المحن. هي هويةٌ تنسج خيوطها من حكمة القيادة الهاشمية وعرق الشعب الوفي، لتكون رداءً فاخراً يزدان به كل مواطن، وتراثاً يورثه الآباء للأبناء كالكنز الثمين. إنها هوية لا تُختزل في أعلام ترفرف، بل في قلوب تنبض بالولاء، وأيدي تبني، وعقول تبتكر، لتقول للعالم: هذا الأردن.. وطنٌ يُصنع كل يوم بإرادة أبنائه.

اليوم، تتحول المدن الأردنية إلى لوحات فسيفسائية تزينها ألوان العلم، وتتعانق فيها الأصوات بترانيم الفخر، كأن الأرض تُنشد أنشودة الحب للسماء. لكن الفرح الحقيقي ليس في الألوان الزاهية، بل في الروح التي تحملها، روحٌ ترفض أن تكون ذكرى الاستقلال مجرد احتفال عابر، بل تجعل منها محطةً للتأمل والانطلاق، كالعدّاء الذي يتنفس للحظة ثم يندفع بقوة نحو خط النهاية.

فالأردن ليس مجرد بقعة على الخريطة، بل هو قصةٌ تُروى بلسان العزيمة، ووعدٌ ينتظر التحقيق، وحلمٌ يبحث عن من يحمله بين ضلوعه. إنه الوطن الذي يُبنى كل صباح بسواعد أبنائه، والقلعة التي تزداد منعةً كلما اشتدت العواصف. فلتكن ذكرى الاستقلال هذا العام دافعاً لمواصلة المسيرة، وليكن شعارنا: "الماضي مجدٌ، والحاضر جهدٌ، والمستقبل وعدٌ".

كل عام والأردن أعزّ مما كان،
كل عام والهاشميون درع الوطن وسيفه،
كل عام وشعب الأردن كالنسر، كلما ارتفع ارتفع معه الوطن.
وكل عام ونحن نخطو على درب المجد خطوات الواثقين.