facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هل هي مجرد سردية .. أم محطات عبَرها الأردنيون بثبات؟!


محمود الدباس - أبو الليث
26-05-2025 06:52 PM

هل هي مجرّد سردية؟!.. أم وثيقة هوية خطّها الأردنيون بالعرق والوفاء؟!.. من معان إلى اللطرون.. من الكرامة إلى الزعتري.. من اغتيال الملوك إلى اغتيال الأحلام.. لم يكن الطريق معبّداً إلا بالتضحيات.. ولم يكن التاريخ نصوصاً محفوظة.. بل أرواحاً ما زالت تمشي بيننا.. تقصّ علينا كيف يصنع الأحرار الدول العظيمة..

مَن يقرأ تاريخ الأردن.. لا يقرأ فصولاً مكتوبة على ورق.. بل يرى وجوهاً أنهكها التعب.. وأرواحاً لم تعرف الانكسار.. لم تكن الرحلة ممهّدة.. ولا الطريق مفروشاً بالشعارات.. بل كانت دروباً من العرق والدم.. ومحطات من الصبر والاختبار.. بعضها كان يتطلب حكمة الصبر.. وبعضها جرأة القرار.. وكلها كانت امتحاناتٍ كبرى.. عبَرها الأردنيون بثباتٍ مذهل.. دون صخب.. ودون أن يطلبوا تصفيقاً..

وهنا.. نعيد سرد بعضٍ من تلك المحطات.. لا لنُحصي ما مضى.. بل لنفهم كيف صمدنا.. وكيف ما زلنا نكمل الطريق.. بنفس العزيمة.. ونفس الإيمان..

بكل صدقٍ.. ولأمانة الطرح.. لا يمكن فهم الثورة العربية الكبرى.. دون أن نتلمّس حال الأمة آنذاك.. فالعرب لم يكونوا أمة تنهض.. بل كانوا أوطاناً ممزقة.. تحت ظلال دولةٍ عثمانيةٍ مترهّلة.. قد استبدّت بها النزعة الطورانية.. وغلب على قيادتها التعصب القومي التركي.. الذي همّش العرب.. وجعلهم غرباء في أوطانهم.. واتباعاً لا شركاء.. رغم أنهم كانوا عماد الدولة.. وجنودها الأوفياء..

فمنذ أن خطى عبد الله الاول بن الحسين.. خطواته الأولى على تراب معان في عام 1920.. كانت الرمال تعرف أنها على موعد مع التاريخ.. لم يأتِ الرجل بسيفٍ يلوّح.. ولا بجيوشٍ تزأر.. بل أتى بحلم دولة.. وبرائحة الثورة العربية الكبرى.. التي لم تخمد جذوتها بعد.. وبين الجبال والوديان.. بدأت ملامح الكيان الأردني تتشكّل.. وفي 1921.. أُعلنت إمارة شرق الأردن.. تحت راية الأمير عبد الله.. وكان التأسيس على البساطة التي تشبه الأرض.. لكنه يحمل في جوهره نواة لدولة ستثبت وجودها.. وسط صراخ الطامعين.. وتقلبات الجغرافيا..

لم تكن السنوات الأولى سهلة.. كانت الإمارة تفتقر إلى الموارد.. والحدود تُرسم تحت سطوة الانتداب البريطاني.. ولكن الأمير كان يعرف.. أن بناء الدولة.. لا يبدأ من الخزائن الممتلئة.. بل من الإرادة التي لا تخضع.. ولهذا راح يضع اللبنات الأولى لنظام سياسي.. وإداري.. واجتماعي.. جمع بين تقاليد المجتمع الأردني.. وبين ضرورات الدولة الحديثة.. فكانت النشأة متوازنةً.. بين الوفاء للتاريخ.. والتطلع للمستقبل..

وفي عام 1946.. جاء الاستقلال.. لكنّه لم يكن إعلاناً عابراً.. بل تتويجاً لصبر طويل.. ومعاهدة بريطانية أردنية.. رسمت نهاية الانتداب.. وبداية المملكة الأردنية الهاشمية.. عبد الله الأول أصبح ملكاً.. والدولة بدأت تتنفس أول أنفاس السيادة.. لكن الطريق لم يكن معبّداً بالورود..

ففي 1948.. اندلعت نكبة فلسطين.. وكان الجيش العربي الأردني هناك.. يقاتل في اللطرون.. وباب الواد.. والقدس.. ولم يكن القتال من أجل التوسع.. بل من أجل الشرف.. والواجب.. والعروبة.. دخل الأردنيون القدس بأرواحهم.. وسُطرت بطولات لازال صدى أسمائها يعلو في وجدان الأمة.. لكن النهاية كانت نكبةً.. بكل ما تحمله الكلمة من وجع.. مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين تدفقوا إلى الضفتين.. واستوعبهم الأردن كما لو أنه يحتضن أبناءه.. ولم يتعامل مع النكبة كورقة سياسية.. بل كجرح وطني وإنساني..

وفي عام 1951.. وبينما كان الملك عبد الله يؤدي صلاة الجمعة في المسجد الأقصى.. اخترقت رصاصة جسده.. وامتزج دمه بتراب القدس.. لم يكن اغتيالاً لملكٍ فحسب.. بل محاولة لاغتيال الحلم.. ولكن الحلم لم يمت.. فتولى الملك طلال الحكم.. ورغم قصر مدة حكمه بسبب ظروفه الصحية.. إلا أنه ترك إرثاً دستورياً خالداً.. ففي عهده.. أُقر دستور 1952.. الذي لا يزال يشكل القاعدة القانونية.. والسياسية.. للحكم في الأردن.. دستور متقدم في زمانه.. كرّس الحريات العامة.. والفصل بين السلطات.. ورسخ فكرة الدولة المدنية..

ثم جاء الحسين.. الفتى الذي حمل تاجاً أكبر من عمره.. لكنه حمله كما يُحمل القسم.. بجدٍّ لا يلين.. وبحكمة صقلتْها الأيام.. واجه في بداياته.. محاولات خنق التجربة الأردنية من الداخل والخارج.. وكان من أبرز تلك المحطات.. حركة الضباط الأحرار الأردنيين في عام 1957.. وهي حركةٌ تماهت مع المدّ القومي الناصري.. حينها هبّت نسائم الشام تحمل معها رائحة الجمهورية العربية المتحدة.. وشعارات الوحدة والانقلابات.. ظن بعض الضباط.. أن الحكم يمكن أن يُعاد تشكيله على نمط العسكر في مصر وسوريا.. لكن الحسين.. بحزمٍ لا يخلو من الحِلم.. وأسلوبٍ لا يخلو من الحكمة.. احتوى الموقف.. وأفشل المحاولة دون دماء.. ليبقى الأردن ثابتاً.. بينما تهتز العواصم من حوله..

وجاءت نكسة 1967.. تلك التي زلزلت الأرض تحت أقدام الأمة.. وفُقدت فيها الضفة الغربية.. بضياع القدس مجدداً.. كان الحدث موجعاً.. ليس فقط عسكرياً بل نفسياً وروحياً.. فقد القدس يعني.. فقدان نبضٍ في قلب الأردنيين.. وبدأت مرحلة جديدة من التحديات الديمغرافية والسياسية.. وتزايدت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.. ولكن رغم النكسة.. لم تنكس الهامة..

وفي 1968.. عند أطراف بلدة الكرامة.. وقعت معركة ليست ككل المعارك.. أراد فيها العدو.. أن يُثبت أنه لا يُهزم.. فجاء الرد من جنودٍ عرفوا.. أن النصر لا يقاس بالحجم.. بل بالعزيمة.. كانت الكرامة معركة استرداد الثقة.. ليس فقط بالقدرة العسكرية.. بل بالروح القتالية العربية.. وحين أُذيع خبر الانتصار.. لم تكن دموع الأردنيين فرحاً بالمعركة وحدها.. بل بكاءً على أملٍ نهض من بين الركام..

ثم جاءت سنوات أيلول 1970.. سوداء في الذاكرة.. دامية في تفاصيلها.. حين تصادمت البنادق بين الإخوة.. وكان على الحسين.. أن يحمي الدولة من أن تنفلت.. كانت القرارات صعبة.. والنتائج أكثر صعوبة.. لكنها كانت لحظة استعادة القرار الأردني.. من أن يتحول البلد إلى ساحة صراعات خارجية..

وفي 1988.. جاء قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية.. كان القرار قاسياً.. لكنه واقع فرضته التغيرات على الأرض.. وأراد الحسين من خلاله.. أن يمنح الفلسطينيين فرصةً لبناء كيانهم السياسي.. بينما يبقى الأردن سنداً لا عبئاً..

وفي 1994.. وُقعت معاهدة السلام مع إسرائيل.. وسط انتقاداتٍ شعبيةٍ.. وهواجس كثيرة.. لكنها كانت محاولة لتثبيت الحقوق.. وحفظ ما يمكن حفظه من الأرض والدم.. وحرص الأردن على أن يبقى موقفه ثابتاً من حق الفلسطينيين.. وأن لا يكون الاتفاق على حسابهم.. وكان هذا قرار دولة.. وجدت حينها.. أن المصلحة العليا فيه..

وفي عام 1999.. أسدل الستار على حقبة الحسين.. وبكت المملكة بكاءً لم تعرفه من قبل.. فقد كان الرجل أباُ.. لا ملكاً فحسب.. وكانت جنازته استفتاءً شعبياً على الحب والوفاء..

ومع رحيل الحسين.. تولى عبد الله الثاني الراية.. ملكاً جاء في لحظة تحوّل عالمي.. يحمل رؤية اقتصادية.. وتكنولوجية.. ويؤمن بالإصلاح التدريجي.. لا الصدمة..

وخلال عهده.. واجه الأردن تحديات جسيمة.. جاءت موجات اللجوء من العراق.. ثم من سوريا.. وارتفعت فاتورة الأمن والخدمات.. ومع ذلك لم ينهر النظام.. بل أعاد ترتيب أوراقه.. وتعامل مع ما يُعرف بالربيع العربي.. عام 2011 بحكمة لافتة.. ففي حين اشتعلت شوارع العواصم العربية.. وأُسقطت أنظمة.. وتفككت جيوش.. فتح الأردن نافذة الإصلاح السياسي.. وعدّل الدستور.. وأطلق حوارات وطنية.. واستوعب الغضب الشعبي.. دون أن تُراق نقطة دم..

وكانت السنوات الأخيرة حبلى بالتحديات.. من صفقة القرن.. ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.. إلى تداعيات الحرب على غزة.. التي وصلت آثارها لكل بيت أردني.. فالأردن لم يكن يوماً على هامش القضية.. بل كان في عمقها.. يتلقى الضغط.. ويوازن المواقف.. ويرفض التوطين والتهجير.. ويتمسك بثوابته.. رغم الضغوط الدولية..

ولم تكن كل تلك الأحداث.. سوى فصولٍ من قصة دولةٍ قاومت الفناء منذ ولادتها.. دولة لم تُبْنَ على بحر من النفط.. بل على عرق الجندي.. والمزارع.. والمعلم.. على صدق القيادة.. التي حافظت على العقد بين الحاكم والمحكوم.. دولة أخطأت أحياناً.. وتعثرت أحياناً.. لكنها ظلت واقفة.. متصالحة مع واقعها.. طامحة لما هو أوسع من حدودها..

وهكذا.. تظل حكاية الأردن.. ليست فقط قصة دولة.. بل قصة إرادة.. ورؤية.. وصبر.. وسيرٌ نحو المستقبل بثقة.. دون أن ننسى.. من أين بدأنا.. ولا إلى أين نريد أن نصل..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :