وزير التربية .. أنا رايح أرسب .. فمتى سيهتز كرسي الوزارة؟! ..
محمود الدباس - أبو الليث
27-05-2025 03:29 PM
قالتها الطالبة وهي ترفع صوتها بغضب ويأس.. “أنا رايحة أرسب في الإنجليزي”.. كانت تمر من أمام بيتي.. القريب من مدارس الملك عبدالله الثاني للتميز.. صوتها لم يكن عادياً.. كان يحمل ثقلاً.. ووراءه وجع ممتد من قاعات الصفوف.. إلى غرف التخطيط في الوزارة..
اقتربتُ منها وسألتها.. لماذا هذا اليقين بالرسوب؟!.. أجابت بحسرة.. أنها طالبة في الصف الحادي عشر.. وأن مادة اللغة الإنجليزية أصبحت عبئاً لا يُحتمل.. تفاصيل متراكمة.. وقواعد متشابكة.. وكان ذات الامر في الفصل الاول.. فقامت الوزارة بحذف الوحدة الخامسة من الفصل الأول.. الأمر الذي رتب حملاً اضافياً.. على المعلم والطالب في الفصل الثاني..
عدت إلى البيت وأنا أحمل هذا السؤال الملتهب.. فابنتي في نفس الصف.. في مدرسة حكومية أخرى.. وزوجتي معلمة متقاعدة.. تخصصها اللغة الإنجليزية.. ومن اللواتي يُشهد لهن بالمهنية والاحترافية.. سألت الاثنتين عمّا سمعته.. فأكدت ابنتي.. أن المادة مستحيلة الإنهاء.. وأن المعلمات يبذلن كل جهدهن.. ولكن الكم الهائل من الأمثلة والتفاصيل.. يبتلع الوقت والدافعية.. وأيدت زوجتي ذلك.. بحكم خبرتها الطويلة في تدريس المادة.. ولذات المراحل العمرية.. وقالت ما لم أكن أريد سماعه.. أن المنهاج غير منطقي.. وأنه لا يراعي قدرات الطلبة.. ولا طبيعة الحصة الصفية.. ولا أعداد الطلبة..
وصلني فيديو من أحد المعلمين المختصين في الإنجليزي.. وجهه كان يحمل كل ملامح التعب.. قال بمرارة.. إن الوزارة حذفت الوحدة الخامسة من الفصل الأول.. لذات السبب.. مع أن كثيراً من القواعد.. التي نحتاجها في الفصل الثاني تعتمد عليها.. فبدأنا نشرحها من جديد.. لنكتشف أننا أضعنا وقتاً ثميناً.. وها نحن نلهث في ماراثون لا نهاية له..
قال أيضاً.. إن نصابه أصبح عشرة حصص أسبوعياً.. بدل خمسة.. أو ستة.. وأنه يستغل وقت استراحة الطلاب.. ليشرح ويكمل ما تبقى.. ثم ختم بحسرة.. لن نختم المادة.. لا نحن.. ولا الطلبة..
هنا أسأل بصوت كل طالب وطالبة.. مَن يضع هذه المناهج؟!.. وعلى أي أساس يتم اختيار محتواها؟!.. هل تُعرض على معلمين من الميدان؟!.. أم أنها تُكتب في مكاتب مكيفة.. بعيدة عن صخب الواقع.. وآهات الطلبة؟!..
منهاج لا يُختم.. ومعلم يُستَنزف.. وطالب يحكم على نفسه بالرسوب.. قبل أن يقدم الامتحان.. أليس هذا كله مدعاة للقلق والخوف؟!.. أليس هذا الوضع وحده.. كافياً ليهتز الكرسي الوزاري؟!..
يا معالي الوزير.. لست أكتب انطلاقاً من قصة عابرة.. بل من مشهد يتكرر في كل حي.. وبيتٍ.. وصف.. من أب يرى ابنته تنهار أمام مهمة مستحيلة.. ومن معلم يذوب جهداً بلا نتيجة.. ومن نظام يُصّر على إنكار الواقع.. ويستمر في إنتاج الفشل..
لا أرى فيما تفعله الوزارة اليوم تخطيطاً.. بل ارتجالاً.. ولا أجد في قراراتها حكمة.. بل ارتباكاً.. والوحدة الخامسة التي حُذفت.. بعد أن بُني عليها ما بعدها.. شاهد لا يُكذَّب..
وما توقيع حوالي ألف مدرس للمادة.. على عريضة انتقاد للمادة.. إلا صرخة ميدانية تثبت ان هناك امراً ما يحتاج الى التصويب..
يا معالي الوزير.. أقسم أن الوزارة لن تكون أسوأ مما هي عليه الآن.. إن تسلّمها أي شخص آخر.. لأن القاع لا يحتاج عبقرياً ليُدرك.. أن الصعود لا يبدأ بالحفر أكثر..
لن أقول إنني مع إقالتك فقط.. بل أطالب بها جهاراً وعلناً.. لأن ما يحدث صار مخيفاً.. وحين يُقال على لسان طالبة في عمر الزهور “أنا رايحة أرسب”.. فاعلم.. أن الأزمة ليست في الطالب ولا المعلم.. بل في المنهاج.. والقيادة.. والرؤية..
فهل تسمع؟!.. وهل يهمك ما يقوله أبناء هذا الوطن.. قبل أن يغرقوا في بحرٍ اسمه "الإنجليزي"؟!..