facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أيها المسؤول .. كيف تقول "ما إلي دخل"؟! وربُ عمر يراك


محمود الدباس - أبو الليث
29-05-2025 10:32 PM

في زحام مدينة لا تنام.. وفي زقاق يئنّ من وطأة الفقر.. كان الرجل يحمل أيامه على كتفيه كل صباح.. يودّع أطفاله الثلاثة.. بقبلة تختصر الجوع والرجاء.. وتمضي قدماه نحو لقمةٍ.. يحلم أن تكون كافية ليمدّ بها أجساداً لا تزال في طور الطفولة.. زوجته كانت سنده في حرب الحياة.. لكنها رحلت فجأة.. وتركت له مهمة قاسية لا تُحتمل..

وفي إحدى الليالي الباردة.. دخل بيتاً من بيوت الله ليركع لله ركعتين.. وحين أنهى دعاءه وغادر.. لم يجد حذاءه.. حذاءه البالي الوحيد.. الذي كان يحميه من قسوة الأرصفة.. بحث عنه دون جدوى.. فاتجه إلى أقرب مركز أمني.. علّه يجد فيه بعض الإنصاف..

ولكن.. ما استقبله هناك.. لم يكن افضل من السارق.. فلم يكن سوى صلافة في زي رجل أمن.. "ان شاء الله بدك أترك شغلي.. وادور على كندرتك؟!".. خرج الرجل وهو يحاول أن يحفظ ما تبقى من كرامته.. لكنه خرج حافي القدمين.. وحين داست رجله زجاجة مكسورة.. سال دمه بصمت.. وربط جرحه بقماشة مهترئة.. ووصل إلى بيته مكابراً.. وما هي إلا أيام.. حتى اشتد الألم.. وتمكّنت الغرغرينة منه.. ومات..

مات الرجل.. وبقيت القصة تصرخ في وجه كل مسؤول يقول.. "ما إلي دخل".. ترك وراءه ثلاثة أطفال.. فتلقفتهم أيدي الضلال.. أحدهم وجد في ترويج السموم طريقاً للعيش.. والآخر سقط في وحل التطرف.. والثالثة باعت جسدها لتعيش.. وكلهم ما كان لهم أن يكونوا كذلك.. لو أن ذلك الشرطي أدرك معنى المسؤولية.. وقبله لو ترك السارق ذلك الحذاء القديم.. وعلم أن فعله البسيط.. سينتج عنه كوارث..

فهل ندرك كم روحاً هوت.. لأن مسؤولاً اعتبر الأمر "تفصيلاً تافهاً"؟!..

وكم شاباً ضاع.. لأن مديره خذله بكلمة.. أو ظلمٌ خنق فيه الأمل؟!..

وكم موظفاً انطفأ.. لأنه سمع يوماً من مديره عبارة "هيك بدي.. وأعلى ما في خلك اركب"؟!..

يا مَن توليت شأناً من شؤون الناس.. تذكّر يوم وقفت أمام كتاب الله.. وأقسمت أن تؤدي عملك بإخلاص.. تذكّر أن القسم ليس حروفاً تُتلى.. بل أمانة تُحمل.. وإن خنتها.. فإنك لم تخن الوطن فحسب.. بل خنت مَن أقسمت أمامه.. وخنت ربك الذي لا يغفل.. ولا ينام..

تذكّر أن الله قد يعفو عن حقه.. لكنه لا يعفو عن حق العباد.. إلا إن عفوا.. وتذكّر أن المنصب الذي تتكئ عليه.. إن كان يدوم.. ما وصل إليك.. وستتركه يوماً.. إما بتقاعد.. أو إقالة.. أو برحيلٍ لا رجعة فيه..

واحذر دعوة المظلوم.. فهي لا تمر عبر الحواجز الأمنية.. ولا تحتاج إذناً بالدخول.. بل تخرق السماء.. وتصل إلى مالك المُلك في لمح البصر.. ولا يُردّ لها باب.. وستجني ثمارها في حسرات..

أيها المسؤول الأعلى مرتبة.. يا مَن توليت متابعة مَن هم تحتك.. إن لم تتابع.. فتلك مصيبة.. وإن علمت ولم تتحرك.. فالمصيبة أعظم.. فإن الله لن يسألك فقط عن عملك.. بل عن تقصيرك في مراقبة مَن هم تحت يدك..

وهنا السؤال الذي يخلخل القلوب..

كم من طفل تيتم.. لأنه لم يجد مسؤولاً يطّلع بمسؤولياته؟!..

وكم من عائلة تشرّدت.. لأن مسؤولاً قال.. "ما إلي دخل.. فخار يكسر بعضه"؟!..

وكم من وطنٍ انحرف مساره.. لأن المستأمَنين فيه خانوا؟!..

ليس كل خطيئة تبدأ بسلاح.. بعضها يبدأ بصمت موظف.. أو تجاهل ومحاباة مدير.. أو استهزاء من رجل أمن بحذاء سرق.. أو سارقٍ لحذاء.. لا يعلم فعله البسيط.. ماذا سيجر من ويلات..

وفي المحصلة.. ربُ عمر يرى.. ولا ينسى.. وعنده يجتمع الخصوم..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :