facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين تُعيد الحكومة صياغة الواقع


د. محمد خالد العزام
01-06-2025 07:26 PM

الحكومة ليست مجرد جهاز إداري يُدير شؤون البلاد، بل هي عقل يفترض أن يُدرك الحقيقة، ولسان يُفترض أن ينطق بالحقيقة الواقعية، ويد تُمدّ للإصلاح لا للتبرير.

غير أن التعامل مع الأرقام في المكاتب الرسمية بات أشبه بعرض مسرحي متقن، تُرتّب فصوله بمهارة، وتتجمل عباراته برونق الإحصائيات، ثم تُعرض أمام المواطن كأنه جمهورٌ يُصفّق رغم أنه يرى خلف الستار ما لا يراه الممثلون.

يخرج الوزراء في المؤتمرات الصحفية بخطابٍ ممهورٍ بالأرقام، يتحدثون عن نسب البطالة وكأنها في تراجع، فيما الشوارع تضجّ بالشباب الذين تآكلتهم سنوات الانتظار.
يتباهى بعضهم بأرقام الاستثمارات التي تُضخ، لكن أين هي تلك المشاريع التي قيل عنها إنها ستُغيّر وجه الاقتصاد؟ أين ذلك التحول الذي وعد به مسؤولو المالية، فيما المديونية تتصاعد كمدٍّ لا ينحسر؟ .

ويتفاخر بعض المسؤولين بأن أزمة شح المياه قد وُضعت على سكة الحل، بينما واقع الحال يفضح زيف الادعاءات، فلا يزال المواطنون يعانون عطش الصيف القاسي، يبحثون عن لترٍ واحدٍ يروي خزاناتهم الجافة، ويرسلون الشكاوى تلو الشكاوى دون أن تجد آذانًا صاغية. في الأحياء المنسية، تتصاعد أصوات القهر ممن لم تصلهم المياه منذ شهر أو اثنين، وكأن هذا المورد الأساسي صار رفاهية لا تُمنح إلا وفق حسابات خفية، فيما تظل التصريحات الرسمية تتزين بأرقامٍ لا تُشبع ظمأ البلاد، ولا تخفف وطأة الجفاف عن البيوت التي أرهقتها الأيام العجاف.

أما المساعدات الخارجية، فهي ذلك الملف الذي يبقى بين أيدي الإدارات العليا، حيث تُسجَّل الأرقام، وتُقدَّم التقارير، دون أن يجد المواطن لها صدى في حياته اليومية. وكأنها أموالٌ تُنثر في الهواء، تُضاف إلى دفاتر الأمانات، لكنها لا تمسّ جيب الفقراء، ولا تُحسّن ظروف العيش لمن ضاقت بهم الحياة.

أما الفاتورة النفطية، فهي الملهاة الكبرى التي باتت تتكرر عاماً بعد عام، حيث يُبرَّر ارتفاع الأسعار ببيانات تصاغ بمهارة، وكأن الحكومة وطاقمها يعيشون في عالمٍ آخر، لا يرون سيارات المواطنين تُزاحم محطات الوقود بحثًا عن سعرٍ أقل، ولا يسمعون همسات اليأس في بيوتٍ لم تعد تتحمل غلاء المعيشة.

فالحكومة اليوم لا تحتاج إلى حذلقة الأرقام، ولا إلى زخرفة التقارير، بل تحتاج إلى مواجهةٍ صادقة مع شعبها، إلى قرارات تُبنى على الواقع، لا على وهمٍ يُصاغ بالأرقام، وإلى سياسات اقتصادية تتجاوز التقليد الأعمى الذي لا يورث إلا العجز. فالمواطن الأردني لم يعد يتلقّى التصريحات كما كان، بل بات يُدرك أن الحقائق تُقرأ خلف الأرقام، وأن الأوطان تُبنى بالأفعال، لا بالخطابات الرنانة، ولا بالأرقام التي تتقن فن التلاعب بالثقة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :