التعمري والنعيمات .. حين يكون الأردن أولاً
محمود الدباس - أبو الليث
06-06-2025 06:12 PM
في لحظةٍ اختلط فيها عرق الجهد بنبض العشق.. وفي أمسيةٍ حملت من المعاني.. ما يفوق مجريات مباراة.. سطر موسى التعمري.. ويزن النعيمات ما يمكن اعتباره درساً وطنياً حياً.. في زمن كثر فيه الركض خلف الأضواء.. وقلّ فيه مَن يركض لأجل الوطن.. لا لأجل ذاته.
كثيرون صفقوا يوم أمس.. وكثيرون هتفوا باسم علي علوان بعد ثلاثيته النادرة.. لكن مَن قرأ ما بين خطوط الملعب.. ومَن تابع التفاصيل الصغيرة.. التي تُنسج منها معاني الكبار.. أدرك أن العنوان الأهم.. لم يكن "علوان يسجل".. بل "رفاقه آمنوا أن الأردن أولاً".
موسى التعمري.. ذاك الفتى.. الذي لطالما أسعدنا بانطلاقاته ورجفته لمدافعي الخصوم.. وقف أمام المرمى.. وجهاً لوجه مع شباك مفتوحة.. وهدف ثالث كاد أن يضيف لرصيده الشخصي.. ضوءاً جديداً في سجل الاحتراف.. لكنه لم ينظر للمرمى كما اعتاد أن يفعل.. بل نظر إلى علوان.. ومرر الكرة بهدوء يليق بالكبار.. وكأنه يقول.. المجد لا يكون فردياً.. حين يكون الوطن هو القضية.
ويزن النعيمات.. لم يكن بعيداً عن المعادلة.. تمريراته الحاسمة.. تغطيته الذكية.. وروحه التي تذوب في الملعب.. دون أن تبحث عن لقطة لعدسات المصورين.. كلها كانت بمثابة أغنيات صامتة تنشد.. "نحن هنا.. لا نلعب لأنفسنا.. بل لأجل تراب نحمله في دمنا".
في سوقٍ كروي يلهث خلف الأهداف.. ويقيّم اللاعبين بما سجلوه.. لا بما ضحّوا به.. قرر التعمري والنعيمات أن يكتبا تعريفاً جديداً للنجومية.. أن المجد لا يُشترى.. ولا يُبنى على أنقاض زملاء.. بل يُهدى لقلوب لا تعرف الأنانية.. ولعيون ترى في راية الوطن الهدف الأعلى.
في زمنٍ باتت فيه الوطنية صورة على إنستغرام.. أو تغريدة مكررة.. جاء ما فعله التعمري والنعيمات.. بمثابة صفعة ناعمة على وجه اللامبالاة.. وتذكير بسيط.. أن الأردن ليس شعاراً يُقال.. بل فعلاً يُمارَس.. وتفضيلاً حقيقياً للوطن على النفس.
نحن لا نقلل من قيمة مَن يسجل الأهداف.. ولكننا نرفع القبعة أكثر لمن يهيئ لها.. لمن يتنازل عن مجده.. لأجل فوز بلاده.. لمن لا يرى في الشهرة خاتم سليمان.. بل يرى في كل تمريرة.. نبضة تُقرّب وطنه من الحلم الأكبر.
التمريرات الصامتة.. لها ضجيج مختلف.. حين يكون الوطن هو من يُمرَّر له.. والانتصارات الحقيقية لا تُقاس فقط بالنتيجة.. بل بما خُلق قبلها من روح.. وما زُرع خلالها من قيم.
ما فعله التعمري والنعيمات.. ليس فقط درساً في الكرة.. بل في الحياة.. أن تضحي بشيء من نفسك.. لأجل مَن تحب.. أن تعرف متى تكون في الخلف.. لتدفع مَن هو في الأمام.. أن تعرف أن النصر.. حين يكون أردنياً.. لا يهم مَن وقّع عليه.. المهم أنه كُتب باسم الوطن.
وهكذا.. في أرضٍ تحاول أن تجد أبطالها وسط الضجيج.. ولد أمس بطلان جديدان.. لا لأنهما سجلا.. بل لأنهما قدّما تمريرة حاسمة لوطن كامل.
وهكذا يُكتب التاريخ.. من تمريرة صادقة.. وروح آمنت أن الأردن أولاً.. ولا شيء قبله.. ولا أحد فوقه.
ألف ألف مبارك.. للأردن بهذا الانتصار.. ولوجود هكذا مواطنين نشامى..