لماذا تُؤخَذ الحقوق .. ولا تُستجدى؟!
محمود الدباس - أبو الليث
09-06-2025 10:04 AM
الناس نوعان.. إما نبيلٌ يرى في الحق أمانةً لا تقبل التأجيل.. ولا التسويف.. فيمنحُه قبل أن يُطلب.. وإما جاحدٌ يراوغ ويراوغ.. حتى وإن غرق في دليل خصمه.. وسُحب من بين يديه الحُجّة تلو الأخرى.. فهو لا يعترف بحقٍ.. ما لم يُؤخذ منه عنوة.. أو يُجبر عليه جبراً لا قِبَل له بدفعه..
فإذا غاب النُبل.. لا يبقى إلا الأخذ.. لا تُجدي الكلمات أمام مَن لا يسمع إلا لغة المصالح.. ولا تنفع الاستغاثات عند مَن لا يُقيم للعدل وزناُ.. فالحق حين يُستجدى.. يُهان.. والكرامة حين تُنتظر منّةً.. تُدهس تحت أقدام التسلط والمساومة.. لهذا.. كان لا بد أن تُؤخذ الحقوق كما تُستخرج الجواهر من أعماق الأرض.. بجهدٍ وأدواتٍ وعرقٍ.. وربما.. بدمٍ أحياناً..
في ساحات الاحتلال.. لم تُعد الأرض إلى أصحابها بخطابات الشفقة.. ولا رسائل التوسل.. بل صمدت الشعوب.. وقاومت.. وفرضت ذاتها بندقيةً في وجه الغاصب.. أو ورقة ضغطٍ على طاولة الشرعية الدولية.. لأن الأرض لا تعود بالرجاء.. بل بتكلفة يدفعها مَن أراد استرجاعها.. ومن ضنّ بالتكلفة.. ضاعت منه الأرض.. وذُلّ في عقر داره..
والحق ليس دوماً أرضاً مغتصبة.. فقد يكون وظيفةً حُرم منها مستحقها.. أو فرصةً سُلبت من كفءٍ لصالح المقرّبين.. أو قراراً لا يُؤخذ فيه رأي المعنيين.. فإذا ما سكت صاحب الحق.. أو أبدى لِيناُ في المطالبة.. تحوّل من صاحب استحقاقٍ.. إلى متسوّل موقف.. وتحوّل حقه في أعين الناس.. إلى تفضُّلٍ عليه.. يُمنّ به عند اللزوم.. أو يُستخدم كورقة مساومة حين الحاجة..
القانون.. حين لا يُحترم.. إلا حين يُلوّح به في وجه الظالم.. يصبح سيفاُ للضعيف.. لا تذكرة لضمير القوي.. والأنظمة العادلة.. لا تُختبر حين تعطي.. بل حين تُجبر على الاعتراف بما أنكرته.. هنا تتجلى قوة النظام.. لا حين يمنح الحقوق عن طيب خاطر.. بل حين يُكره على تطبيقها من قِبَل مَن وعوا أدواتهم.. وفهموا أن الحق لا يُطلب.. بل يُؤخذ..
وفي النهاية.. ليس كل مَن رفع صوته سفيهاً.. أو متمرداً.. ولا كل مَن صمت حكيماُ.. فبعض الصمت خنوع.. وبعض الأصوات نور يُضيء درب المستضعفين.. والحق.. لا يُستجدى من الأحياء.. بل يُستخرج كما تُنتزع الشهادة من بين فكي الموت..