بقايا العيد تأشيرة عبور إلى صيف نصنعه بأيدينا
د. أميرة يوسف ظاهر
09-06-2025 03:28 PM
انتهى العيد وخلع الناس زينته، لكن ما زالت بقاياه تسكن الزوايا، علب الكعك الفارغة والحلويات التي لم تفتح بعد وزينة ورقية ما زالت عالقة بخيوطها، وجميعها ليست مخلفات موسمية وإنما فرص مؤجلة، فهذا الفائض ليس عبئا للتخلص منه، بل مادة خام يمكن أن نعيد بها تشكيل الفرح بصيغة جديدة عبورا إلى العطلة الصيفية.
الظرف الاقتصادي ليس طارئا فهو واقع يتكرر كل عام ومع كل مناسبة، والرهان ليس على تحسن فوري في الدخل ولكن على تغير في طريقة التفكير، فنحن لا ننتظر الفرح ليزورنا، نحن نعيد تشكيله من بقايا يوم جميل، والغنى ليس فيما نملكه وإنما في كيف نستثمره بذكاء ورضا، والفقر الحقيقي ليس في الجيب بل في غياب الفكرة.
علب الكعك تصبح صناديق لتخزين أدوات فنية أو أصصا صغيرة لزراعة النعناع، والزينة الورقية تعاد صياغتها إلى عصي أماني يلونها الأطفال ويكتبون عليها أمنياتهم، وبقايا حلويات العيد يمكن أن توزع في مبادرة تضامن مصغرة باسم "حلوتنا للجيران"، أو تحفظ لاستخدام لاحق.
لا نرفض البهجة ولكن نرفض الهدر.
الصيف ليس عبئا كما يشاع فهو مساحة زمنية مرنة إما أن تستهلك أو تستثمر، والبدائل الذكية كثيرة ولا تحتاج ميزانية بل نية وإرادة تحول أفكارنا إلى: خيمة قراءة تقام على سطح البيت بكتب مستعارة من مكتبة الحي، وحوار عائلي يتحول إلى نشاط تعليمي، وطفل يزرع نبتة ويكتب عنها تقريرا صغيرا، فأغلى ما في الصيف ليس الفندق الفاخر، لكنه الوقت الذي نصنع فيه ذكريات تنقش على جدران الذاكرة لتروى فرحا وتشكل ثقافة وتنسج فكرا مستقبليا.
ما نحتاجه ليس برامج مدفوعة بل حس جماعي، فمن روح العيد يمكن أن نستمر في خلق مبادرات بسيطة تطلق طاقة التكاتف بدل الاستهلاك، ففكرة الكرنفال الشعبي مثلا تطلق من كل بيت نشاطا مجانيا في ساحات الحي، وبعض الأقمشة والمواد تصبح مسرح عرائس، وزجاجات فارغة تتحول إلى أدوات موسيقية بدائية... ما نفعله معا أرخص وأجمل.
المهم أن نعيد بناء العلاقة مع الزمن، فالصيف فرصة ذهبية لترميم الروح لا مجرد فسحة للترفيه، وعشر دقائق يومية نكتب فيها ما نشعر به، وزيارات قصيرة لأماكن قريبة ومجانية، وصندوق عائلي نملأه بقصاصات الإنجازات الصغيرة، كل ذلك وأكثر حين نشرك أبناءنا في التخطيط لأيامهم، ونربي فيهم الشعور بالمسؤولية والانتماء.
في النهاية الغلاء مؤلم لكنه ليس عذرا لإلغاء الفرح أو دفن المبادرة، بل هو اختبار جماعي للذكاء المجتمعي، وللقدرة على تحويل التحديات إلى مساحات ابتكار، فالسعادة لا تحتاج إلى بطاقة ائتمان وإنما تأشيرة خيال، جرب أن تنظر حولك الآن... كم فكرة تنتظرك في أبسط ما تملك؟ من كعك العيد إلى ألعاب الصيف السعادة حلقة متصلة من القيم والمعنى، فلنحرص أن تبقى دائرة الضوء تتسع بأيدينا لا بانتظار غيرنا.