الرابط العجيب بين توزير ابن الوزير ورائحة الأضحية التي لا تموت
محمود الدباس - أبو الليث
10-06-2025 07:35 PM
في الزمن الماضي.. كان الناس يتعاملون مع بعضهم بأصالة القلب.. لا بألقاب المناصب.. وكان بيت العزاء.. يُملأ بالدموع الحقيقية.. لا بكروت التعزية الممهورة بختم الوزارة.. وكانت القهوة تُصب من يد إلى يد.. لا من بروتوكول إلى بروتوكول..
لكن الدنيا تغيّرت.. وصارت العيون لا ترى الشخص.. بل ترى المسمّى الوظيفي المرافق له.. فإن كنت ابناً.. أو اباً لوزير.. أصبح عزاؤك مهرجاناً.. وصار موتك دعوة اجتماعية لا تُرد.. أما إن متّ بعد أن تركت هويتك الوظيفة الرنانة.. فلا تُفاجأ.. إن كان في المقبرة بضع عشرات.. وأنت.. والمُغسّل فقط..
وقد لاحظ أحد الوزراء.. هذا التحوّل في علاقات الناس بالناس.. ففكّر بعقلية استراتيجية عجيبة.. وقال في نفسه.. إذا كنت سأموت مرةً واحدة.. فلأضمن أن يمتلئ بيت عزائي.. سأعمل جاهداً على توزير ابني.. لا لأنه يستحق.. بل لأنه الضامن الوحيد لدفء الجنازة.. وازدحام الصف الطويل للمعزّين.. الذين لا يعرفون الفقيد أصلاً..
ولم ينسَ الوزير أن يوصي ابنه قبل أن يغادر الدنيا.. قال له.. إذا أردت أن تُدفن وسط ألف شخص لا يعرفونك.. فاعمل على توزير ابنك من الآن.. وكل جيلٍ يحمل جثمان الجيل الذي قبله.. على أكتاف المناصب..
وإذا كان الوزير يفكر في جنازته.. فإن بعض البلديات.. لا تفكر أصلاً إلا في كيف تذبح راحة الناس باسم الخدمة..
وتخيّلوا لو أن ذلك الوزير عاش في المدينة التي أمرت بلديتها.. أن تُخصص مدخلها الرئيسي.. ليكون ساحة بيعِ وذبحِ الأضاحي.. لتصبح المدينة كل عيد.. تستقبل زوّارها بعبقٍ لا يُنسى.. من شحوم مشقوقة.. ودماء مغسولة بالماء العكر.. وقطع بلاستيك لا تذوبها الشمس.. ومخلفات اغنام تقطع النَفس عن الرئة..
هناك.. في بداية المدينة.. حيث يرفع الناس أيديهم إلى أنوفهم.. لا للسلام.. بل لكي يسدوها من الرائحة.. ستجد البلدية تفتخر أنها خدمت مربي المواشي على حساب أنف المواطن.. وستجد أحدهم يقول لك بكل فخر.. "على الأقل.. وفرّنا مكاناً قريباً للذبح".. وكأن المدينة لها مداخل أخرى.. أو كأن المواطن بلا رئة..
وما أشبه هذا القرار.. بقرار توزير ابن الوزير.. فالمصلحة لا تكون للمستحق.. بل لمن هو أقرب للقرار.. ولا يُؤخذ برأي مَن يمر يومياً من هناك.. او يسكن في تلك المنطقة.. طالما أنه لا يحمل لقباً يُلزم البلدية بالاعتذار..
مضحكٌ أن تكون نهاية الوزير مرتبطة ببداية العزاء.. ومضحكٌ أكثر.. أن تكون بداية المدينة مرتبطة بنهاية كرامة الهواء..
في المرة القادمة.. حين تمرّ من مدخل المدينة.. وتشمّ تلك الرائحة التي تصفعك بلا مقدمات.. تذكّر أنها ليست فقط رائحة أضاحٍ.. بل رائحة قرارٍ محليّ.. دفن أولويات الناس بلا جنازة..
أما إذا مررت بجنازة مزدحمة.. فلا تفكر كثيراً.. ربما كان الميت والد الوزير الجديد.. وإن كانت غير مزدحمة.. فهي لوزيرٍ ليس له ابن وزير.. أو جنازة شخصٍ فقير.